كانت الساعة تقترب من الثالثة والنصف فجرًا عندما استيقظ “رايد”، رئيس بلدة مارغاساري.

وهو في العادة يستيقظُ باكرًا على أيّ حال لأداء صلوات الصباح. لكنّه استيقظ في ذلك اليوم، السبت 31 آذار/مارس 2018، لأنّ بعض سكّان البلدة جاؤوا للإبلاغ عن حادثةٍ غير اعتيادية. فقد كان النفط يزحفُ نحو بلدتهم.

لم يكن ذلك أمرًا جيّدًا بالنسبة إلى البلدة على الإطلاق، لأنَّ أكثر من نصفها كان مبنيًا فوق المياه، على بحر خليج باليكبابان، في شرق كاليمانتان، إندونيسيا.

ازدادت بقعة النفط حجمًا وسماكةً. وقد نتجَت عن تسرّبٍ من أحد الأنابيب التابعة لشركة برتامينا – على عمق 25 مترًا تحت مستوى سطح البحر.

تحرّك “رايد” سريعًا. كانت الأولوية الأهمّ بالنسبة إليه تهدئة الناس وتحذيرهم لتفادي إشعال النيران.

تذكّر الحادثة قائلاً: “اتّصلتُ بالسلطات وبالشرطة وبالجيش لطلب المساعدة. فقد كان علينا العمل معًا لتهدئة سكّان المنطقة ومنعهم من القيام بكلّ ما يتعلّق بالنار، كالتدخين مثلاً، أو شواء السمك كما اعتاد أن يفعل الناس هنا في الصباح”.

في صباح ذلك اليوم، تعاون الجميع وعملوا بجهد لتنظيف البلدة.

وبعد بضع ساعات، تسنّى لهم الوقت أخيرًا لأخذ قسطٍ من الراحة والاستمتاع ببعض الفطور. لكن، سرعان ما تفاجأ “رايد” إذ شاهدَ بعض سكّان المنطقة يتهافتون نحوه.

“أيّها الرئيس، أيّها الرئيس، هناك حريقٌ في البحر!”

ركضوا معًا باتّجاه الناحية الأقرب إلى البحر، على بُعد 400 متر فقط من النار. رأوا النيران تشتعل والدخان يتصاعد، والأسوأ من ذلك أنّ الحريق كان يمتدّ.

سالَ أحدُ الأشخاص، بدافعٍ من القلق على سلامة الناس: “أيّها الرئيس، هل يجب إجلاء سكّان البلدة؟”

فأجابَ “رايد” بعد تقييم الوضع قائلاً: “لا، ليس بعد”.

لحُسن حظّهم، كان تيّارُ المدّ والجزر ينحسر في ذلك الوقت، ومياه البحر تبتعد شيئًا فشيئًا من تحت منازلهم. وبعد عدّة ساعات، نجحوا في إخماد الحريق.

أفادت الإحصاءات الرسمية التي أصدرتها الحكومة بعد أربعة أيَّام في 3 نيسان/أبريل عن أنّ الحادثة أودَت بحياة 5 أشخاص.

إلّأ أنّ إخماد الحريق لا يعني أنّ المشكلة قد عولِجَت. فالمسألة البديهية والمباشرة هي الصحّة. قال “رايد”: “فاحت رائحة النفط بشكلٍ قوي جدًا منذ الساعات الأولى”.

ثمّ تفقّد المركز الصحّي المحلّي في المنطقة (Puskesmas) وكان مليئًا بالناس. فقد قَصَدَهُ مئاتٌ من الرجال والنساء من جميع الأعمار لتلقّي العلاج.

أضافَ “رايد”: “أبلغني الطبيب أنّ غالبية الأمراض مرتبطة بمشاكل تنفّسية”.

وتوقّع أنّه هناك ما لا يقلّ عن 1250 عائلة قد تضرّرت من آثار حادثة التسرّب في البلدة.

وبحسب ما ذكرته هيلدا ميوتيا، وهي باحثة وخبيرة في علم الأحياء الدقيقة، لا تكونُ آثار حوادث التسرّب النفطي فورية دائمًا، بل تحملُ معها أيضًا عددًا من المخاطر المتراكمة على المدى البعيد على صحّة الإنسان، وكذلك على البحر والنُظُم الإيكولوجية الساحلية.

وأوضحت هيلدا أنّ “حوادث التسرّب النفطي تساهمُ إلى حدٍّ كبير في انتشار المعادن الثقيلة السامّة والمسرطنة، فضلاً عن مركّبات الهيدروكربون الأروماتية متعدّدة الحلقات (PAH). وفي العديد من حوادث التسرّب النفطي حول العالم، تلوّثَ النظام الإيكولوجي البحري والساحلي أيضًا بعدّة معادن ثقيلة مثل الكادميوم، والبلمبيوم، والفاناديوم، والنيكل”.

ثمّ أضافت: “نعم، كان هناك تأثيرٌ واضح وفوري من جرَّاء التعرّض المباشر للتسرّب، كالأمراض الجلدية والتنفّسية. ولكن، من المعروف أنّ المعادن الثقيلة تتسبّب ببعض الآثار التراكمية والطويلة الأمد. فمن الممكن أن يؤدّي البلمبيوم مثلاً إلى مشاكل في المناعة والإنجاب والأعصاب. والكادميوم هي مادّة مسرطنة قد تسبّب الغثيان والصداع والمشاكل في المعدة”.

قمتُ بزيارة بلدة مارغاساري بعد عدّة أيّام على اندلاع الحريق. نعم، أصبحت بقعة النفط أقلّ كثافةً، والرائحة القوية تلاشت. لكنّ هذا لا يعني أنّ المشاكل قد زالت.

بحسب هيلدا، “قد يمتدّ تأثير حادثة التسرّب النفطي إلى سنواتٍ عدّة، حتّى أنّها قد تؤدّي إلى أضرار دائمة”.

وفي وقت كتابة هذا التقرير، ما زالت سبل العيش معطّلة في المنطقة. فالصيّادون ما زالوا غير قادرين على الصيد، ومزارعو الديدان البحرية عاطلون عن العمل، وغابات المانغروف المحيطة بالقرية قد أُتلِفَت.

اكتشفوا المزيد في المدوّنة التالية تحت عنوان “هل سبق أن رأيتم غابة مانغروف سوداء؟”