هل عالمنا يحترق؟ ما هي تلك موجات الحر الشديدة التي نشعر بها أو نسمع عنها؟ نتفاجأ بما يجري في العالم الذي نعيش فيه! حرائق في كل مكان، جفاف حاد ونقص في الغذاء وانتشار الأمراض… من دول أوروبية إلى دول عربية، جفاف حاد في الجزائر ونقص المياه في الأردن، وحياة العشرات من الناس في جميع أنحاء العالم. في اليونان وحدها وصل عدد الضحايا إلى 82، وفي اليابان تسببت موجة الحر في مقتل 65 شخصًا على الأقل. أصبحت موجات الحرارة العالية أكثر شيوعًا مؤخراً، فما سبب هذه الموجات؟ وهل هي مرتبطة بظاهرة التغير المناخي؟ وماذا عن عالمنا العربي؟ كيف يمكننا التصدي لتحديات تغير المناخ وكيف التأقلم معها؟

“في جميع أنحاء العالم  تزداد الأيام الحارة ودرجاتها” وردت هذه الجملة في أكثر من تقرير في البحث الذي قمنا به، وفي أكثر من تقرير أيضاً ربطت موجات الحر الشديدة بشكل مباشر بظاهرة التغير المناخي. فكيف ذلك؟ سنشرح لك في هذا المقال، ولكن أولا ما هو تعريف موجة الحر الشديدة؟

موجات حر شديدة أم احترار عالمي؟

موجة الحر الشديدة هي فترة تتراوح بين أيام إلى أسابيع ويكون فيها الطقس حار لدرجة غير طبيعية. فقد أنذرت الأرصاد الجوية في الآونة الأخيرة بوقوع موجات حار متلاحقة قد تصل درجة الحرارة الى 50 درجة مئوية في بعض المناطق. وسجلت سلطنة عمان أعلى درجة للحرارة في العالم وصلت الى 49,8 في 28 حزيران/يونيو.

وتعليقاً على هذه الموجات الحارة والظواهر الكارثية التي لحقتها، قالت المديرة التنفيذية لمنظمة غرينبيس الدولية باني ماكديارميد في تصريح لها “في حين أن هناك العديد من العوامل المعقدة التي تدخل في أسباب وقوع هذه الأحداث المناخية القاسية، الا ان ما نعيشه يتطابق تماماً مع تنبؤات تغير المناخ في العالم”. وأضافت: “ان الانتشار العالمي لموجات الحرارة المدمرة  تشير بشكل واضح الى ظاهرة تغير المناخ، ومع ذلك فإننا لا نزال أقل بدرجة واحدة من مستويات الاحترار ما قبل الثورة الصناعية”. وأضافت:”لا نريد التفكير بما يمكن أن نواجهه إذا ارتفعت درجات الحرارة إلى ما يتجاوز الأهداف المحددة بـ 1.5 أو درجتين مئويتين المنصوص عليها في اتفاقية باريس بشأن المناخ”.

ووفق دراسة صادرة عن “هانسن، ساتو اند رويدي” فإن درجات الحرارة الصيفية التي تسجل الآن هي أكثر من ثلاثة مرات  فوق المتوسطات التاريخية، و أضافت الدراسة ان شوهدت درجات الحرارة العالية خلال فصل الصيف في حوالي 10٪ من مساحة اليابسة في العالم، مقارنة بـ 0.1-0.2٪ في عامي 1951 و1980، ويتوقع العلماء أن الحرارة الى ارتفاع.

ان ما نشهده الآن هو تحول تاريخي في الطريقة التي ينظر بها العالم إلى تهديد تغير المناخ، نحن ننتقل من مرحلة التنبؤ إلى مرحلة المراقبة والرصد. تحدّث العلماء كثيراِ عن الظواهر التي سنشهدها بسبب تغير المناخ، البعض اعتبرها مجرد بدع وخيالات لا تمس للواقع بصلة، ولكن ما يحدث اليوم يؤكد ذلك تمامًا.

موجات الحر في عالمنا العربي

ازداد تواتر الجفاف خلال العشرين إلى الأربعين سنة الماضية في تونس والمغرب وسوريا والجزائر، وتغير في المغرب معدل الجفاف لمدة سنة واحدة كل خمس سنوات ( Karrou، 2002. Abbas، 2002. Mougou and Mansour، 2005، MEDANY). وقد حذّر العلماء من مخاطر التعرض لأشعة الشمس التي قد تؤدي الى أمراض خصوصاً لدى الأطفال والمسنين.

ففي السعودية أصدرت هيئة الأرصاد وحماية البيئة، تنبيها متقدما، حيث توقعت أن ترتفع درجات الحرارة في المنطقة الشرقية بشكل كبير. مع الإشارة الى ان في صيف العام 2016 ، سجلت جدة، درجة حرارة عالية لم يسبق لها مثيل بلغت 52 درجة مئوية تقريبًا. (نايلور ، 2016)

 

وفي تونس، أعلن المعهد الوطني التونسي للرصد الجوي أن درجات الحرارة تجاوزت في 18 تموز/يوليو الجاري المعدلات الموسمية بنحو عشر درجات، مسجلة درجات تراوحت بين 40 و46 درجة، وصلت في بعض المناطق إلى 49 درجة.

أما في العراق فقد أعلنت هيئة الأنواء الجوية العراقية أن موجة حر تجتاح العراق وستستمر حتى شهر أغسطس/آب، حيث من المتوقع ان تتجاوز درجات الحرارة في بعض المحافظات العراقية نصف درجة الغليان (50 درجة مئوية). وعليه اضطرت الحكومة إلى تعطيل الدوام الرسمي للحد من الإصابة بالحمى والأمراض الأخرى المصاحبة لارتفاع درجات الحرارة.

 

ووفقاً لعدة نماذج تمت دراستها، فقد أكدت ان بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين ستواجه المنطقة العربية زيادة  في درجة حرارة الأرض لترتفع من درجتين مئويتين إلى 5.5 درجة مئوية. سيقترن هذا التغيير بانخفاض متوقع في معدل هطول الأمطار من صفر إلى 20٪. وهذه التغييرات المتوقعة ستتسبب في فصول  أقصر للشتاء، وصيف حار، ومعدل أعلى لموجات الحرارة، ومستوى أعلى من تقلبات الطقس وتكرار حدوث أحداث الطقس المتطرفة (وفقاً لميداني).

تأثير درجة الحرارة العالية على الانسان والطبيعة

 

يتوقع العلماء أن إذا استمر الاحترار العالمي دون خمود، فسوف نشهد على التأثيرات التالية:


– المزيد من موجات الحرارة الشديدة
– تفاقم تلوث الهواء في المناطق الحضرية
– الموائل الحرجة والموارد البحرية ستصبح أكثر عرضة للخطر
– الآثار السلبية على الزراعة

 

كيف يمكننا التصدي لهذه الظواهر؟

عالمياً وعربياً بدأت الدول بوضع خطط التصدي لتحديات تغير المناخ. ومن ضمن هذه الإجراءات المتخذة،  هو اتفاق باريس التاريخي للتصدي لتغير المناخ، وهو الاتفاق الأول من نوعه الذي يحث جميع دول العالم للحد من انبعاثات الكربون والالتزام بمحاربة ظاهرة التغير المناخي. وفي إطار هذا الاتفاق، تعهدت حكومات الدول الموقعة، 194 دولة، بوقف الزيادة في انبعاثات الغازات الدفيئة، والاستثمار أكثر في الطاقات المتجددة. تعد الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة استخدام الطاقة، المفتاح للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وتجنب آثار التغير المناخي.

ونشرت جريدة الحياة في 3 آب/أغسطس العام من العام 2018، ان الجزائر تعد مخططا وطنيا لمحاربة الجفاف، ومن المفترض أن يتم الانتهاء منه نهاية السنة الحالية، على أن يدخل حيز التنفيذ في العام المقبل. وقد جاء هذا المخطط بعد ان صنفت الجزائر من ضمن أكثر الدول تضرراً من الجفاف والتصحر. وبناء على ذلك، تعمل الجزائر مع «اتفاق مكافحة التصحر» التابع للأمم المتحدة الى تطوير واختيار السبل الأفضل لمحاربة ظاهرة الجفاف. وتعمل الجزائر لأن تصبح طرفاً في مبادرة الجدار الكبير الأخضر، وهو مشروع شاسع يشمل كل أفريقيا الشرقية والغربية لمواجهة التصحر.

وفي الأردن، يشكل التغير المناخي تهديدا للأمن المائي، ولهذه الغاية تعمل وزارة المياه والري على إعداد خطة استجابة معدة مسبقا لإدارة المخاطر، بهدف حماية المواطنين من الصدمات والآثار السلبية للنزاعات والمخاطر، بحسب مصادر في الوزارة.

وتطور دول عربية عدة، مثل مصر والمغرب والامارات وغيرها، مشاريع الطاقة المتجددة لديها. وتلعب هذه المشاريع دوراً فاعلاً  في التصدي لظاهرة التغير المناخي، عن طريق الانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري القذر ودعم المجتمعات الأكثر ضعفاً. وحديثاً افتتحت مصر في شهر تموز/ يليو واحدة من أكبر المحطات لإنتاج كهرباء الرياح في العالم في منطقة جبل الزيت في البحر الأحمر. إنه من خلال مشاريع بارزة مثل مزرعة الرياح في جبل الزيت تستطيع مصر تحقيق هدفها الطموح الذي يقضي بتوليد الكهرباء بنسبة 42% من الطاقة المتجددة بحلول العام 2025.

دانيا شري

[email protected]