107029_173137

في آذار 2011 عانت اليابان أسوأ كارثة نووية، انهارت ثلاثة مولدات للطاقة النووية ما أدى الى انفجار المباني بما تحتويه من اشعاعات في محطة فوكوشيما دايتشي.  وتعتبر هذه الكارثة بمثابة تحذير شديد اللهجة حول مخاطر الإعتماد على الطاقة النووية. ثمّ ان التشريعات التي تشجع استخدام الطاقة المتجددة تعني زيادة عدد منشآت الطاقة الشمسية واغلاق محطات الطاقة النووية. وبالتالي، يجب تعطيل المفاعلات النووية ووجود معارضة شعبية كبرى لعدم إعادة تشغيلها.

فرح المواطنين اليابانيين طوال العام الذي توقفت فيه أعمال محطات الطاقة النووية، الا ان هذا التقدّم الذي قامت به اليابان قد ينعكس بشكل سلبي إذا أعادت إدارة “آبي” تشغيل المفاعلات. ثمّ ان أول مفاعلتين نوويتين يمكن الترويج لهما في هذا الصدد يقعان في محطة سينداي – محافظة كاجوشيما جنوب الجزيرة اليابانية كيوشو. ومع وجود تلك الرغبة لإعادة تشغيل المفاعلات، تحركت منظمة السلام الأخضر- غرينبيس وطلبت من محافظ إيتو وجميع المسؤولين في كاجوشيما احترام مطلب غالبية سكان المحافظة  والجمهور الياباني بشكل عام، والتدخل لبقاء سينداي مغلقاً.

في العام 2011 ذهبت غرينبيس الى فوفكوشيما  وقد عادت مجدداً خلال الأسبوع الماضي إلى الوقع عينه لمواصلة توثيق الأزمة النووية. ولدى رؤية الواقع المأساوي للناس الذين يعيشون هناك جعل أعضاء المنظمة يفكرون في الناس الذين يعيشون بالقرب من مفاعلات سينداي. لأن الكارثة النووية هي مشكلة غير قابلة للحل، وفي نهاية المطاف يدفع الناس العاديين ثمن ذلك.

ثمّ ان الجهود التي بذلت لإزالة التلوث في فوكوشيما، والتي بدأت في العام 2012، أثبتت انها مكلفة بشكل كبير. وقد استثمرت اليابان آلاف العمال في أكثر من عشرات الآلاف من الساعات لإزالة التربة وتنظيف المنازل، ولكن للأسف كان النجاح محدود جدا. كميات هائلة من النفايات المشعة المتولدة لا تكف عن التكاثر. وعلى طول الطرق، هناك عدد كبير من الأكياس السوداء المليئة بالنفايات المشعة، في انتظار نقلها إلى مواقع تخزين مؤقتة.

اذ ان عملية “التطهير” هذه نجحت فقط في نقل التلوث الإشعاعي، انها مشكلة كبيرة دون وجود أيّ حل فعلي لها.  وقد قامت غرينبيس خلال الأسبوع الماضي بزيارة مياكوجي مرة أخرى، وهي أول قرية طلب منها الإخلاء. وقد اكتشفت المنظمة من خلال أعمال الرصد التي قامت بها هناك ان مستويات الإشعاع كانت لا تزال مرتفعة كثيراً مقارنة بالهدف الذي وضعته الحكومة، علماً انها بذلت قصارى جهدها لإزالة التلوث.

107030_173140

وباتالي يمكن القول ان لا شيئاً يذكر قد تغير في مياكوجي، وقد بقيت مستويات الإشعاع مماثلة لتلك في العام 2013. ومن بين خمسة آلاف وستة مئة عينة أخذتها غرينبيس على طول طريق القرية، الا ان 34 في المئة كانت فوق هدف الحكومة. وبعيدا عن الطرق، حيث لم تقام أيّ أعمال تطهير هناك، وجدت المنظمة ان مستويات الإشعاع المكتشفة أعلى بكثير.

والقصة عينها تجري الآن في مدينة فوكوشيما، على بعد 60 كيلومترا من المحطة النووية فوكوشيما دايتشي. قمنا بالتدابير الأولية في موقف السيارات وبدت مطهرة بشكل جيّد. لكن بعد ستة أمتار من تلك النقطة، ارتفعت درجة الإشعاع الى مستويات عالية تفوق نقطة القياس التي حددتها الحكومة. وهناك وجدت غرينبيس ان الأرض ملوثة الى ما يقارب الإثنتي عشرة مرة ونصف من السيزيوم المشع من المستوى الذي يدفع الحكومة اليابانية بأن تصنفه ضمن النفايات المشعة. ويمكن القول بشكل رسمي، ان مستويات النشاط الإشعاعي في موقف السيارات هذا قد يتطلب ارتداء بذلة خاصة للحماية من الإشعاعات كما يتطلب موافقة من السلطات قبل معالجتها.

اذ ان الأزمة النووية هي طبيعة ساحقة وغير قابلة للحل. عند حدوث كارثة نووية كبرى، فإن الأضرار تبقى عمرا طويلا، اوتزيد انتشاراً، ويستحيل تصحيحها. فإنها تولّد كميات هائلة من النفايات يستحيل تحزينها في مكان آمن. النووي يدمر مجتمعات بأكملها وطريقة حياة الناس.

وان كلّ ما يعرض على المواطنين في فوكوشيما ينبثق عن أسباب سياسية بحتة، في ظل جهود الحكومة اليابانية لإعادة تشغيل المفاعلات النووية. أما من منظور السلامة العامة وحقوق الإنسان هناك سياسة واحدة فقط مجردة وعادلة: إذا كان المواطنون لا يريدون العودة إلى المجتمعات الملوثة، حيث لا يمكنهم العمل بأمان في الحقول أو الغابات، ينبغي ان يحصل هؤلاء على تعويض ملائم يسمح لهم بإنشاء حياة جديدة في مكان آخر.

ولكن، اذا أصرت حكومة “آبي” الإكمال بالمشروع، لن يجرّد ضحايا فوكوشيما من تعويضاتهم فقط، ولكن سيعيش المزيد من المواطنين اليابانيين مع التهديدات التي تلوح في الأفق لإحتمال وقوع كارثة مماثلة.

ويجدر الإشارة الى ان اليابان كانت خالية من المفاعلات النووية لأكثر من سنة وخلال كلّ تلك الفترة لم يحصل ايّ انقطاع في الكهرباء. لذا على الحكومة اليابانية ان تدير ظهرها للطاقة النووية، وبدلا من ان تختار الطاقة النووية لتحسين كفاءة الطاقة، عليها التوسّع في الطاقة المتجددة. ولذلك شأن هام في حماية مواطنيها من تكرار أهوال فوكوشيما ووضع البلاد على الطريق الصحيح للوفاء بإلتزامات المناخ مع حلول العام 2020.