كم كنا نتمنى أن تصبح حياتنا الإجتماعية بدون جرائم وعنف أو حوادث سير أو حتى تلوث، وأن نكون أكثر انضباطا ومسؤولية تجاه المجتمع، وأن تكون شوارعنا وأزقتنا نظيفة مع اجراءات أمنية أكبر و أن تصبح سياسة مدننا أكثر جدية  ومستعدة للاستجابة لمجتمع متضامن وواعي ومسؤول وأكثر تناغما وانسجاما.

الحياة الاجتماعية في المغرب والحجر الصحي

يجب الاعتراف أولاً ان العلماء والأطقم الطبية هم جنود الخطوط الأمامية الذين يعرضون حياتهم للخطر، والموت  في صد هجوم غير مرئي، وكذلك بجهود رجال ونساء التعليم في الحفاظ على سيرورة المنظومة التربوية والتعليمية ولو عن بعد.  اذ لهؤلاء المواطنين مكانة أرقى من مكانة المشاهير والسياسيين والرأسماليين الجشعين في مكاسبهم و عائداتهم المادية الذين نشاهدهم هذه الأيام يقفون مكتوفي الأيدي أمام جائحة الكوفيد١٩، أو يخرجون على مواقع التواصل الإجتماعي بتعليقات وتغريدات تعبر عن بطالة فكرية.

في زمن الكورونا تحسنت العلاقات بين الأفراد و العائلات، وأصبحنا أكثر تواصلا وقلقا وحرصا على بعضنا البعض، بعيدا عن اختلافاتنا العرقية والدينية والإيديولوجية. في زمن الكورونا قلّت الضوضاء، وازداد التضامن، والكل يترقب زوال البلاء. ولكن هل من درس لتعلمه؟

في زمن الكورونا أصبحنا نأكل ونفكر وننسجم في نظام بيئي صحي ونظيف، ونحرص على عدم العبث، لا …بل وحتى قلّت عاداتنا غير المفيدة وازداد اهتمامنا بالجانب الصحي أكثر فأكثر. بل ولقد أصبحنا في زمن الكورونا أكثر التزاما ووعيا بكل ما يهدد صحتنا و صحة بيئتنا، فهل من متعظ؟

النظام الصحي في المغرب وجائحة الكورونا

لقد أصبح لازما مراجعة سياسات الأنظمة الصحية في المغرب، وخصوصا مراجعة نظام التأمين الإجتماعي-الصحي للطبقات الفقيرة في المجتمع والمدن الهامشية والتي هي أكثر عرضة وتهديدا لانتقال فيروس سارس-كوف-٢ المسبب للكورونا، بسبب غياب المرافق الصحية، والطرق المعبدة في القرى المغربية وكذا تجمعات دور الصفيح في ضواحي المدن الصناعية، ناهيك عن انقطاع المؤن والزاد اليومي لهذه الأسر الفقيرة في ظل مطالبتهم من قبل السلطات المحلية بلزوم بيوتهم.

لقد عانى قطاع الصحة العمومية في المغرب من مجموعة مضاعفات اجتماعية ومادية مرتبطة أساسا بالنمو الديموغرافي المتزايد خلال السنوات الأخيرة، مقابل هزالة الدعم المادي واستئثار فئة قليلة من صلاحيات التغطية الصحية.

لذلك على الحكومة الاستجابة الفورية لتطوير المستشفيات وأقسام الإنعاش وغرف العناية المركزة ودور الرعاية الاجتماعية، من خلال تشجيع الاستثمار في القطاع الصحي في المغرب، و الرفع من نسبة التغطية الصحية لعموم المواطنين، ومحاولة جذب الكفاءات، وتأهيل المختبرات والأبحاث العلمية في المجال الصحي.

والجميل في هذه الأزمة المبادرة التي قام بها أطباء القطاع الحر والمصحات الخاصة عبر تقديم الدعم الكامل لمواكبة ومصاحبة احتياجات المواطن خلال هذه الفترة الحرجة.

فما أحوجنا لأن نبني مناعة مجتمعنا الصحية والاجتماعية والبيئية للتصدي للأزمات والجائحات الصحية والاقتصادية والاجتماعية التي تهددنا وتهدد تنميتنا، و أن نكون دائما متضامنين متعاطفين فيما بيننا.

من الكورونا الى الأزمات البيئية

إن الاضطراب الذي جلبه لنا  فيروس كوفيد 19 يقود مجتمعاتنا – الآن أكثر ارتباطًا من أي وقت مضى – لتحدي حاضرهم والتفكير في مستقبلهم بشكل مختلف. فوجب علينا أن نضع كل ثقلنا في محاولة جعل هذا الاضطراب يعمل من أجل تغيير المجتمع كما عرفناه – فردي ، غير متكافئ ، مدمر للطبيعة ، مدفوع بالربح – نحو مجتمع مفتوح وأخوي وعادل وسليم ، في انسجام مع الطبيعة والمصلحة العامة كقوة دافعة. 

نظرًا لأن استجابتنا لـ COVID-19 يجب أن تكون عالمية و قائمة على حقائق علمية، استجابة تضامنية وشمولية، لذلك يجب أن نخلق عالماً قادرًا أيضًا على معالجة الجائحة القادمة والأزمات العالمية الأخرى بكفاءة وفعالية مثل حالة الطوارئ المناخية.

يجب على أصحاب القرار في بلداننا والسلطة اليوم مراجعة قراراتها وسياساتها المستقبلية والتصرف بعقلانية ومرونة مع  حالة الطوارئ المناخية: ما الذي يتعين علينا القيام به لإنشاء نظام أكثر مرونة ونزاهة والذي يحمي الناس الأكثر عرضة لفيروس سارس- كوفيد-٢ ؟ كيف يمكننا نقل تركيز اقتصاداتها بعيدًا عن الممارسات التي تضعنا في مشكلات صحية مثل الأوبئة وتلوث الهواء؟