اعتُمِدَت اليوم في مقرّ الأمم المتّحدة في نيويورك، معاهدةٌ دولية لحظر الأسلحة النووية.

إنّها لحظةٌ تاريخية: فبحسب المعاهدة، أصبحَ من غير الشرعي امتلاكُ وتطوير الأسلحة النووية  بموجب القانون الدولي.

 

خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، شاركت 140 دولة في المفاوضات النهائية بشأن هذه المعاهدة الجديدة، في حين أنّ الدول التسع التى تمتلك اسلحة نووية (الولايات المتّحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتّحدة والهند وباكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية) قد قاطعت الاجتماع فى محاولةٍ لتجريد الآلية من طابعها الشرعي. كذلك، بقيَ أعضاء الناتو خارج المفاوضات، وعلى الجانب الخطأ من التاريخ. إنّما لغيابِهم تبعاتٌ هامّة للأسف؛ فإذا لم تصادق الدولة على المعاهدة، لن تكون ملزمة بها.

 

ومع ذلك، وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها الدول المُسلَّحة نوويًا ومَن يدعمها لعرقلة مسار المفاوضات، تمّ تحقيق إنجاز هام في هذا الصدد: فقد أعلنت الغالبية العظمى من الدول الأعضاء في الأمم المتّحدة الآن أنّ الأسلحة المصمّمة لإلحاق أضرار إنسانية كارثية باتت محظورة بموجب القانون الدولي. لغاية يومنا هذا، كانت الأسلحة النووية هي أسلحة الدمار الشامل الوحيدة التي لم يتمّ حظرها بعد بطريقة قاطعة وتامّة. فسبق أن تمّ حظر الأسلحة البيولوجية والأسلحة الكيميائية والألغام الأرضية والذخائر العنقودية. وها هي الأسلحة النووية تنضمّ اليوم إلى القائمة السوداء هذه.

 

بحُكم المعاهدة الجديدة، سيصبحُ من الأصعب على مؤيّدي الأسلحة النووية وصفها باعتبارها وسيلة مشروعة ومفيدة لضمان الأمن. فالمعاهدةُ إذًا تضعُ قاعدة عالمية ضدّ الأسلحة النووية. ولن تمارس هذه القاعدة الجديدة الضغطَ على الدول الحائزة للأسلحة النووية والدول غير الحائزة للأسلحة النووية لرفض هذا النوع من الأسلحة بشكلٍ دائم فحسب، بل من شأنها أيضًا أن تمهّد السبيل للتقدّم المستقبلي نحو القضاء على أسلحة الدمار الشامل في الدول المسلّحة نوويا، إذا ما تغيّر وضعها السياسي المحلّي.

 

نصّ المعاهدة الجديدة واضحٌ تمامًا: فهو يحظر على الدول تطوير أسلحة نووية أو اختبارها أو إنتاجها أو تصنيعها أو الاستحصال عليها؛ كما يحظر على الدول استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستعمالها. ويمنعُ الدولَ كذلك من السماح بإقامة أو نصب أو نشر أيّ أسلحة نووية في أراضيها.

 

تحيّي منظّمة غرينبيس حلفاءنا من المجتمع المدني، وعلى رأسهم الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية، الذين انكبّوا على حملاتٍ دؤوبة لتحويل هذه المعاهدة – التي  اعتُبِرَت مجرّد حلم صعب المنال عندما اقتُرِحَت للمرّة الأولى – إلى واقعٍ قانوني. ونضمّ صوتنا إلى صوتهم في دعوتهم لسائر الحكومات كي تصادق على المعاهدة الجديدة وتتعاون في سبيل تخليص العالم من هذا الاختراع البشري الضارّ والذي باتَ أيضًا غير قانوني اليوم.

 

عندما سينظرُ جيل المستقبل إلى هذا القرار، نأمل أن يتذكّره كلحظةٍ اعتُبِرَت فيها الأسلحة النووية أخيرًا بمثابة تهديد للأمن، وليس سبيلًا إليه. من اليوم فصاعدًا، يستمرُّ النضال من أجل أن تصادق جميع حكومات العالم على المعاهدة، ومن أجل القضاء على آلاف الأسلحة النووية التي لا تزال موجودة حول العالم. لا شكّ في أنّ الطريق سيكونُ طويلاً، إنّما مع وجود معاهدة صارمة لحظر السلاح النووي تؤكّد عدم قانونية هذا السلاح، فإنّ هذا القرار يشكّلُ مَعْلَمًا جيّدًا لأجل السلام.