تاريخ يابان النووي يعكس قدرة الإنسانية على التدمير .. وعلى السلام!

Hiroshima anniversary Japan

ارتبط تاريخ يابان المعاصر، أكثر من غيرها، بمسعى استخدام وترويض الطاقة النووية. هذا التاريخ النووي لا يستحق الذكر في ما يتعلّق بإنجاحاته، ولكن لإظهار قدرة الإنسانية على التدمير .. وعلى السلام.

مر 70 عاماً منذ أن قامت الولايات المتحدة بشن تفجيرات نووية على المدينتين اليابانيتين هيروشيما وناغازاكي، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 400000 شخص، وتأثّر أجيال أكبر بالإشعاعات النووية. الرعب الذي سببته هذه التفجيرات لا زال محفوراً في ضميرنا، مع أهمية وقف استخدام الأسلحة النووية في حالات الحرب.

 
أضاءت هذه الكوارث الإنسانية الطريق نحو حركة سلام قوية في اليابان تركت أثرها على العالم. كما مهدت لوضع “دستور السلام” عام 1947 الخاص بالدولة، الذي يرفض الحرب والقوات المسلحة لحل النزاعات، ما عدا حالات الدفاع عن النفس. إرث السلام هذا أفاد اليابان فعلاً، ولكنه حالياً تحت التهديد. اذ ان رئيس الوزراء سنزو أبيه يضغط حالياً من أجل وضع تشريع، على الرغم من رفض الكثيرين، للسماح لليابان بالقتال في النزاعات الأجنبية، وإعادة كتابة جزء من الدستور الذي أصبح محفوراً في عقلية اليابانيين.

 
لا زالت الحملة التي تسعى الى نزع الأسلحة النووية حول العالم بعيدة المنال. وقد وصل عدد الرؤوس النووية في العالم في مطلع العام 2015 إلى15850 موزعة بين 9 دول: الولايات المتحدة، روسيا، الصين، الهند، باكستان، اسرائيل، بريطانيا، فرنسا وكوريا الشمالية؛ وبالتالي حوالي 1800 من هذه الأسلحة موضوعة في حالة تأهب قصوى، استناداً لمعهد ستوكهولم العالمي لبحوث السلام. الدول التسع هذه لا زالت تقوم بتحديث أسلحتها النووية وإجراء أبحاث على الأسلحة النووية الجديدة.

 
علينا أن ننظر فقط إلى المشاحنات السياسية التي صاحبت الإتفاقية النووية الجديدة مع إيران في الشهر الماضي لنشهد الطبيعة العسيرة للمناظرات حول من سيمتلك تهديد الأسلحة النووية. غياب الرغبة السياسية لتحقيق نزع السلاح يعني عدم وجود أي تقدم حقيقي في معاهدة “عدم نشر الأسلحة النووية”، المنعقدة في أيار، حيث أُجبرت الولايات المتحدة نفسها على الاعتراف بأن الأطراف المعنيين لم يستطيعوا الاتفاق على أجزاء محورية من الوثيقة النهائية للإجتماع.
منظمة غرينبيس- السلام الأخضر لها تاريخها الخاص المرتبط بالطاقة النووية: فحملة الأساس لمنظمتنا كانت في العام 1971 عندما حاولت مجموعة صغيرة من الناشطين وقف الولايات المتحدة من إجراء اختبارات نووية على جزيرة أمشيتكا في ألاسكا. وبعد أربعة وأربعون عاماً، فهمنا مخاطر انتشار الأسلحة النووية، والتهديدات الحالية من الطاقة النووية، تعمّق إلتزامنا أكثر حتى نرى نهايتها. الطاقة النووية، سواء لأغراض عسكرية أو مدنية، ليست سالمة. لا يمكن اعتبار أي برنامج نووي بأنه مدني فقط فهو دائماً سيحمل خطر تطويره لسلاح نووي. وكما يظهر لنا تاريخ كوارث الطاقة النووية، هي طاقة غير آمنة وغير نظيفة.

الطاقة النووية، بمخاطرها البيئية وتكلفتها العالية، تستمر بفقد جاذبيتها كبديل عن الوقود الأحفوري. وفي المقابل، فإن الإهتمام بمصادر الطاقة المتجددة يتزايد بين الاقتصاديين الذين ينظرون للأمام، وبين المستثمرين الذين يعلمون بأن استمرارية الاعتماد على الوقود الأحفوري يساهم فقط في زرع النزاعات وزعزعة السياسات الأجنبية. ومع ذلك لا تزال التهديدات موجودة!
قبل ما يقارب الأربع سنوات ونصف، تسبب زلزال في محطة طاقة نووية في اليابان في انهيار ثلاث مفاعلات نووية، مما أجبر عشرات الآلاف على ترك منازلهم. بعد اجراء التحقيقات، كشفت غرينبيس- اليابان الشهر الماضي بأن الإشعاعات في واحدة من أكثر المناطق تأثراً لا زالت منتشرة وبكميات عالية، ما يمنع الأفراد الذين تركوا منازلهم من العودة إليها آمنين، على الرغم من جهود قائمة لتنظيف المنطقة.
المفاعلات النووية المتبقية في اليابان مغلقة حالياً بانتظار فحص السلامة، ولكن الحكومة تخطط بإعادة تشغيل أول مفاعل لها هذا الشهر. هذه المخططات تم تلقيها بمعارضة شديدة من قبل الشعب، حيث أظهر الإقتراع بأن غالبية اليابانيين ضد اعادة تشغيل المفاعلات النووية. وقد جمعت عريضة غرينبيس عشرات الآلاف من التواقيع الرافضة لإعادة تشغيل المفاعل.

 
في جوهر منظمة غرينبيس هنالك قناعة بأن النزاع وما يعكسه من صراعات عنيفة حول المصادر الطبيعية، سيدمر كوكبنا ويدمرنا! لذا علينا ايجاد طرق أفضل لحل هذه المشكلات. خلال عشرات السنين حملتنا ضد انتشار الأسلحة النووية تعتبر جزء من حركة سلام عالمية تطمح لتحقيق عدالة اجتماعية واستدامة بيئية. على الرغم من وجود عوائق لتحقيق السلام في زمننا هذا، نحن واثقون بأن المقاومة والاحتجاج اللاعنيفيين سيحققان هذا التغيير. فقد برهن التاريخ أن المعارضة السلمية ستحقق أكثر مما يستطيع العنف تحقيقه.

 
يجب أن لا يكون هنالك احتمالية لإعادة زرع الرعب الذي شهدته هيروشيما وناغازاكي قبل 70 سنة مرة أخرى من قبل أي شخص في أي مكان في العالم اليوم، أو تحمل الصدمة التي شعر بها اليابانيين بعد حادث فوكوشيما، وغيرهم الآلاف الذين تضرروا من كوارث نووية مثل “تشيرنوبل”. بتذكرنا لهذه الكوارث نتذكر أهمية اكمال رحلتنا نحو التغيير لتحقيق السلام.

 
كومي نيدو
المدير التنفيذي العالمي لغرينبيس