بعد ما شهدناه من تغيرات خلال فصل الصيف الماضي، الذي شهد ارتفاعًا قياسيًا في درجات الحرارة وحرائق أودت بالغابات، بدأ العام 2022 بطقس بارد لم يسبق له مثيل منذ عقود. وعلى الرغم من أن كان قد توقع العلماء موجات حرارية وجفاف حيث أن آثار تغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا باتت ملحوظة، فإن ما يحدث يظهر وضعًا معاكسًا. اذ تظهر الموجات الباردة والعواصف الثلجية على علوّ منخفض وسرعة الرياح العالية التي نشهدها بشتاء قارص جداً. لذا السؤال هنا كيف نواجه هذا الفصل وما علاقة ذلك بتغير المناخ والاحتباس الحراري؟

رُصدت هذه الحالات الجوية النادرة لأول مرة في اليونان وتركيا والتي تسببّت في قطع الطرق وانقطاع التيار الكهربائي وتوقف الرحلات الجوية. وفي وقت لاحق، سُجلّت ظواهر مناخية مماثلة في بعض بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مثل مصر ولبنان والمملكة العربية السعودية وسوريا والعراق والكويت والأردن، بالإضافة إلى الولايات المتحدة والهند.
وقد اتّسمت هذه الحالات، المعروفة بموجات البرد، بانخفاض كبير في متوسط درجة الحرارة في المنطقة. انخفضت درجات الحرارة في مصر ولبنان من سبع إلى ثماني درجات عن معدلّها الموسمي العام، بينما انخفضت في المملكة العربية السعودية وسوريا والعراق والكويت إلى ما دون الصفر. وكذلك، ترافقت هذه الأخيرة بظواهر شتوية شديدة مثل العواصف الثلجية التي التي كانت سببًا لإرجاء الرحلات الجوية في الأردن وأدّت إلى ارتفاعات منخفضة في لبنان وألحقت أضرار جسيمة في سوريا بسبب سرعة الرياح العالية التي تصل إلى100 كم/بالساعة.
إن موجات البرد هذه ناجمة عن ظاهرتين طبيعيتين الأكثر تطرفًا بسبب تغير المناخ. النينا هي ظاهرة مناخية مسؤولة عن جعل فصل الشتاء أكثر برودة في البلدان الشمالية التي تشمل الأردن ولبنان وسوريا ومصر والعراق، وقد بدأت في أكتوبر العام 2021 وبلغت ذروتها في يناير العام 2022 وذلك بسبب تفاقم تغير المناخ. أمّا الظاهرة الثانية فهي الدوامة القطبية التي تحمل معها الهواء البارد من القطب الشمالي إلى بلدان تقع عند خطوط العرض المتوسطة، مثل البلدان المتضررة من هذه الموجة الباردة وذلك عندما يفقد استقرارها نظرًا لشدّة حرارة الأرض جرّاء الاحتباس الحراري.

لم تشعرجميع المجتمعات بصورة متساوية بآثار هذه الموجة الباردة وذلك مثل كل آثار تغير المناخ، بحيث يعاني البعض أكثر من الآخر. وقد أثّرت هذه الظواهر الجوية سلبًا وفي معظمها على الفقراء والمشرّدين، وعلى سبيل المثال الجماعات كاللاجئون السوريون واليزيديون الذين يعيشون في المخيمات مع غياب الملابس المناسبة أو نقص في التدفئة، وهم محاصرون في الثلج وقد واجهوا نقصًا في المواد الغذائية، وقد دمّرت بعض خيامهم وقد شهدوا وفاة لأفراد من أطفالهم.
ومع عدم توفرّ الكهرباء والارتفاع الحادّ في أسعار الوقود في أعقاب الأزمة الاقتصادية، تأثّر الفقراء في لبنان الذين لم تكن لديهم وسائل للتدفئة.

وأخيرًا، أدرك المزارعون في جميع أنحاء المنطقة المأساة المتعلقة بفقدان وموت ماشيتهم وتأثّرغلّة محاصيلهم بشدّة الناجمة عن موجة البرد المؤدية إلى خسائر مالية.
كما تأثّرت العديد من الحيوانات التي لم تكن قادرة على تحمل درجات الحرارة الباردة. وهذا يتضمن موت الأبقار والدجاج في المزارع ولكن أيضًا بعض الحيوانات التي تجمدّت إثر البرد مثل الحمير في تركيا والإغوانا في الولايات المتحدة. كما سقطت العديد من الأشجار نتيجة سرعة الرياح العالية.

وستزداد الظواهر الشديدة مع اشتداد تغير المناخ. وللتقليص من ضررها، لا بدّ من اتّخاذ خطوتين من قبل البلدان : الحدّ من انبعاثات الغازات الدفيئة بغية التخفيف من آثارتغير المناخ، وخاصّة بالنسبة للبلدان الأكثر انبعاثًا لهذه الغازات في الشمال العالمي، بالإضافة إلى صياغة وتنفيذ السياسات المتعلقة بالتدابير اللازمة للتكيف مع تلك الظواهر الشديدة.
تنتج عن هذه الظواهر أضرار هائلة، لا سيما على المجتمعات المهمشة. في هذا النطاق، من هو المسؤول عن دفع وتعويض الأضرار الناجمة عن تغير المناخ، بما في ذلك أضرار هذه الموجة الباردة؟ وهل ستترك المجتمعات المهمشة وحدها تتحمل هذه الخسائر؟

تصدى لظاهرة تغير المناخ!

ان تأثير تغير المناخ بدأ بالظهور أكثر وأكثر…من موجات الحرارة  المتطرفة الى الجفاف والفيضانات التي تمتد على عواصم ومناطق عدة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا.

انضم إلينا