ينطلق اليوم مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28) في دبي. وبفضل طموح أجندته وطابعها التقدمي في ما يتعلّق بزيادة مصادر الطاقة المتجدّدة بمقدار ثلاثة أضعاف وتعزيز كفاءة استخدام الطاقة بمقدار الضعفَيْن عالميًا، فقد تجاوزَت هذه التوقعات الأولية برؤيتها. ومن جهتها، كانت قد أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة بالفعل عن صندوقٍ خاص بها بقيمة 4.5 مليار دولار لمبادرات الطاقة النظيفة في أفريقيا، وخطة استثمارية بقيمة 54 مليار دولار لمضاعفة قدراتها الإنتاجية للطاقة المتجددة بنحو ثلاث مرات بحلول عام 2030.

يُمثّل مؤتمر الأطراف (COP28) فرصةً مهمة لدولة الإمارات العربية المتحدة لتكون مُحفّزاً مؤثراً للتغيير. ولكن ما نحتاج إليه لصنع التاريخ هو قوّة زخم سريعة وجريئة.

نُوافق في منظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الرئيس المٌعيّن لمؤتمر الأطراف COP28، سلطان الجابر على أنّ التقليص التدريجي في الاعتماد على الوقود الأحفوري أمرٌ لا مفرّ منه وأساسي، لكننا مُقتنعون بأنّ الطموح المُشترك لقمّة المناخ ينبغي أن يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك وأن يشمل التخلّص التدريجي والعادل (وليس مُجرّد التخفيض التدريجي) من جميع أنواع الوقود الأحفوري، بما في ذلك النفط والغاز والفحم.

وفي وقت نُدرك أنّ هذا الأمر يُمثّل تحدياً حقيقياً، وبخاصة للبلدان التي تعتمد اقتصاداتها بشكلٍ كبيرٍ على إنتاج النفط والغاز، فإنّ هذا التحدّي المُتمثّل في جعل التحوّل إلى أنظمة الطاقة الخالية من الوقود الأحفوري عادلاً هو أمرٌ يجب علينا أن نتقبّله بكلّ شجاعة وطموح وابتكار. وهي صفات ومقوّمات تمتلكها دولة الإمارات بوفرة.

كما نعتبر أنّ مُقترح مؤتمر الأطراف بنسخته الثامنة والعشرين COP28، إذا كان كافياً لتلبية احتياجات الكوكب، فيجب أن يتجاوز الإطار الزمني وهو “منتصف القرن” للتخفيض التدريجي من الوقود الأحفوري – لأنّنا نحتاج إلى خفض الانبعاثات الآن. وذلك يعود إلى أنّ هذه الرؤية تعتمد على تطوير تقنيات احتجاز الكربون. وإذا سلكنا هذا الطريق، إلى جانب الاعتماد على تقنيات تعويضات الكربون، فسوف نُؤخّر جهود العمل المناخي ونخرج عن المسار بعيداً عن هدف اتفاقية باريس بالحد من الاحترار، بحيث لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية.

لماذا يتوجّب الوصول إلى اتفاق للتخلّص العادل من الوقود الأحفوري الآن وليس لاحقاً؟

بعد انقضاء عام آخر من درجات الحرارة القياسية وتسبب فيضانات ليبيا والجزائر بموت آلاف الأشخاص في منطقتنا، وانتشار حرائق الغابات في مختلف أنحاء سوريا وتونس ولبنان… يتوّجب على قادة العالم أن يتذكروا أنّنا لن ننتظر العد التنازلي لبدء حالة الطوارئ المناخية. فقد تحوّلت كارثة المناخ بالفعل إلى حقيقية يومية تعيشها المجتمعات الأكثر ضعفاً في العالم. فالأشخاص الذين يفتقرون إلى أدنى المقومات والموارد للدفاع عن أنفسهم يرون منازلهم تتحوّل إلى رماد، وحياتهم تتحطّم، وسبل عيشهم تُمحى. ويعاني اليوم اليمن – الذي يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم- من الجفاف والعواصف الرعدية الشديدة التي أودت بحياة أكثر من 100 شخص. كما قد نزح أكثر من 80 ألف شخصٍ في العراق بسبب الجفاف، فيما سجّل المغرب أيضا أعلى درجة حرارة على الإطلاق.

وعند الموازنة بين الرغبة في تحقيق أرباح الشركات واحتياجات الناس، فمن الضروري أن نتذكّر المعاناة الحقيقية التي يتحملّها هؤلاء. فإنّ الكثير منهم منغمسون حرفيًا في صراعٍ مُستمرٍ من أجل البقاء. فكلّ يومٍ يمرّ من دون تغيير حقيقي هو بمثابة حكمٍ بالأشغال الشاقة أو حتى بالموت لهذه المجتمعات، وإنهاء هذه المعاناة يأتي في صلب العدالة المناخية.

لكن من أجل النجاة من هذه الأزمة، نحتاج إلى تغريم كبار الملوّثين بالوقود الأحفوري تاريخيًا وإجبارهم على البدء في دفع ثمن إصلاح الأزمة التي تسببوا بها. وفي هذا السياق، نُرّحب بالتزام دولة الإمارات العربية المتحدة الثابت بالتمويل المناخي على جدول أعمال مؤتمر الأطراف بنسخته الثامنة والعشرين (COP28).

يُعتبر تفعيل صندوق جديد للخسائر والأضرار مسألةً أساسيةً مُرتبطة بالعدالة المناخية، من أجل تحميل المُتسببين التاريخيين بالإنبعاثات (سواء البلدان أو الشركات) المسؤولية عن تغيّر المناخ، ومحاسبتهم على التدهور البيئي الذي تسببوا به. هذا الصندوق من شأنه أن يُساهم في دعم البلدان النامية ويساعدها على التصّدي للعواقب الناجمة عن مخاطر تغيّر المناخ التي لا يمكن تجنّبها – والوقوف بوجه النظام العالمي غير العادل، الذي من خلاله مكّنت البلدان الغنيّة صناعة الوقود الأحفوري على مدى قرون من تحقيق أرباح ضخمة، مع إعفائها في الوقت نفسه من أي مسؤولية لدفع ثمن الدمار والضرر الذي تسببوا به.

إنّ الحلول هي في متناول اليد وجاهزة. لذا لا يوجد أيّ سببٍ يمنع الحكومات من حل هذه الأزمة في الوقت الراهن. وسيُساهم توصّل قادة العالم إلى اتفاق تاريخي في قمّة المناخ للتخلّص التدريجي والعادل من الوقود الأحفوري وتفعيل صندوق الخسائر والأضرار إلى إرسال رسالةٍ قويةٍ للغاية إلى بقيّة العالم. الأمر الذي من شأنه أن يُعزّز القيادة المعنية بالمناخ التي نحتاج إليها بشدة حالياً. وهذا الأمر لا يتطلب سوى جهداً جماعياً ورؤية مشتركة لمستقبلٍ مستدامٍ وعادلٍ للجميع.

لطالما كانت الإمارات العربية المتحدة دولة رائدة في ظل مبادراتها المُلهمة المُختلفة، التي أظهرت للعالم ما يمكن تحقيقه عندما تجتمع الرؤية والعزيمة والأفعال. إنّها فرصة حقيقية للدفاع عن إرثٍ لمستقبلٍ أكثر خضرة للأجيال القادمة.

أما في مخيّم غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأخير للعدالة المناخية في لبنان، فقد رفع الشباب من جميع أنحاء الجنوب العالمي أصواتهم بعزيمة لا تتزعزع، وأرسلوا رسالة قويّة لا لبس فيها: لقد حان وقت العمل والتحرّك. نحن جميعاً نهتم بشدة بمنطقتنا وشعبها ومجتمعاتها، والتحديات البيئية الفريدة والمُعقّدة التي تُواجهها. لذا يجب علينا أن نتحرّك بسرعة، من دون تقديم أي تنازلات، وبإلتزامٍ ثابتٍ لا يتزعزع. معاً نبدأ التغيير، ويُوفّر اليوم مؤتمر الأطراف (COP28) منصّة ديناميكية لنجتمع معًا ونخلق مستقبلًا مستدامًا للجميع.

مؤتمر الأطراف (COP28) في دبي

مؤتمر الأطراف (COP28) هو لحظة الحقيقة: التخلص التدريجي العادل والمنصف من جميع أنواع الوقود الأحفوري، بما في ذلك النفط والغاز والفحم، يجب أن يكون الطموح المشترك. ونعلم تماماً أن تحقيق ذلك يمثل تحديات، فإننا نؤمن أيضاً بأنه هدفاً قابلاً للتحقق – على أن يكون سريعاً ومنصفاً ودائماً – من خلال الحوار واعتماد سلوك منفتح لتحقيق التحول إلى مصادر الطاقة المتجدّدة. إضافةً إلى ذلك، نحن بحاجة إلى حزمة تمويل موثوقة تتضمّن إطلاق صندوق جديد للخسائر والأضرار، وخطوات فاعلة تُلزم الملوّثين التاريخين بدفع ثمن الدمار المناخي والأضرار التي تسبّبوا بها.

انضم إلينا