نداء من مجموعة من منظمات المجتمع المدني من المنطقة العربية ودولية لدعم تحقيق الأهداف السياسية والمدنية للثورات والعدالة الاقتصادية والاجتماعية ومنع الانحراف عنها من خلال المؤسسات الدولية: صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، البنك الأوروبي للاستثمار، والبنك الأوروبي للأعمار والتنمية

التأمت قمة مجموعه الثمانية يومي 26و 27 أيار/مايو 2011 في مدينة دوفيل الفرنسية وتطرقت في جدول أعمالها إلى كيفية دعم “الربيع العربي”1.  وقد شارك في أعمال هذه القمة ممثلون عن حكومتي مصر وتونس حيث نجحت الثورتان بالإطاحة بالأنظمة الديكتاتورية  التي استبدت بالبلاد لعقود. وقد نجح شعبا تونس ومصر بنقل البلاد إلى مرحلة جديدة حيث المطلوب استمرار العملية الديمقراطية والسلمية من خلال إطلاق حوار وطني شامل، ضمن المؤسسات والمسارات الديمقراطية، حول التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبمشاركة مختلف الأطراف والقوى السياسية في البلدين.

فلدى إعلان الاتحاد الأوروبي عن تأمين 1.24 مليار يورو إضافية إلى مبلغ الـ5،7 مليار يورو المخصصة لدول الجوار جنوبي وشرقي المتوسط2، إذ أكد رئيس المفوضية الأوروبية- الأستاذ خوسية مانويل باروسو أن الدعم ليس كافيا لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية في الجوار الأوروبي ولذلك “على الاتحاد الأوروبي الدفع أكثر باتجاه دعم النمو وخلق فرص العمل…وتسريع مسارات اتفاقيات تحرير التجارة وفرص الاستثمار الذكية/ والفاعلة (smart and effective)”.

وبينما ترحب المنظمات الموقعة على هذا البيان بدعم التحولات الديمقراطية والتنمية، إلا أنها تؤكد أن ثورتي الشعبين التونسي والمصري قد جاءت ضد أنماط اقتصادية غير عادلة أدت إلى تهميشها وإفقارها من خلال سلسة من تدخلات سميت بـ”الإصلاحات الاقتصادية”، كانت قد روجت لها المؤسسات والشركاء الدوليين انفسهم الذين يدعون اليوم إلى تسهيل عملية الانتقال في البلدين.

فحتى أواخر سبتمبر 2010، كان صندوق النقد الدولي يهنئ تونس على “الإدارة الناجحة للسياسة الماكرو-اقتصادية والإصلاحات الهيكلية التي نفذتها على مدى العقد الماضي” ونادى بالمزيد منها من خلال “تقليص الإنفاق العام على الأجور ودعم الغذاء والوقود”3، حتى في ظل الظروف التي ارتفعت فيها أسعار الغذاء في الأسواق العالمية. إن الاندفاع باتجاه سياسات غير مجدية تنمويا على مدى سنين مع إغفال الأولويات والتحديات التي تواجهها الشعوب تطرح تساؤلات أساسية حول دور صندوق النقد الدولي في مرحلة الانتقال التي تمر بها المنطقة حاليا. من المهم أن تنقلنا هذه التساؤلات إلى القيام بمراجعة وتقييم جديين وتشاركيين للوصفات والسياسات التي روجت في المنطقة من قبل هذه المؤسسات الدولية على مدى العقود الماضية. وستستفيد بالضرورة هذه المؤسسات الاقتصادية والمالية من مثل هذه المقاربات التقييمية لما حققته حتى اليوم، خاصة ما إذا تمت بطريقة تشاركية حيث تساهم البلدان النامية بدور أساسي في هذا التقييم.

في هذا الإطار، فإن المساعدات المخصصة لدعم ثورات الشعوب لا يجب أن تقيد مسارات التحول الديمقراطي والإطاحة بأهداف الثورات خاصة فيما يتعلق بتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية. فمن المهم بمكان الإقلاع عن الوصفات الاقتصادية التقليدية- والتي كان لها دور في الإفقار وغياب العدالة التي عانى منها شعبي تونس ومصر – من خلال المساعدات والشراكات المشروطة والتي جاءت لدعم الديمقراطية في الدول العربية. إن التغيير المنشود من قبل شعوب المنطقة لا تخدمه مساعدات إضافية مشروطة بوصفات اقتصادية تتناول تحرير إضافي للتجارة والاستثمار، وتقيد دور الدولة الناظمة تحت عنوان “خدمة مناخ الأعمال”، إضافة إلى المشروطية التي تتمحور حول أهداف الاستقرار الماكرو-اقتصادي.

إن قبول الحكومات الانتقالية في كل من مصر وتونس للمساعدات عبر آليات ومؤسسات مالية دولية وإقليمية، غالبا ما تترافق مع مشروطية على السياسة الاقتصادية، وتشكل بالتالي التزامات تقع على كاهل الشعوب والحكومات القادمة ولسنوات عديدة4. بالتالي، فان مثل هذه القرارات لا يجب أن تؤخذ من قبل حكومات مؤقتة وغير منتخبة، وقبل اشهر أو أسابيع معدودة من الانتخابات الوطنية في هذه الدول. بالفعل، فإن القرارات المتعلقة بالسياسات الماكرو-اقتصادية وسياسات تحرير التجارة والاستثمار يجب أن تبنى على أساس اولويات اقتصادية واجتماعية يحددها شعبا تونس ومصر من خلال الآليات الدستورية والحوارات الوطنية المرتبطة بوضع سياسات وطنية شاملة للتنمية تقوم على مقاربات حقوقية وذات نظرة استشرافية للمستقبل. إن هذه القرارات لا يجب أن تكون حكرا على مجموعة من المستشارين الذين يقدمون المشورة حاليا إلى الحكومات الانتقالية، كما أنها لا يجب أن تكبل القرارات السياسية في المستقبل نتيجة اتفاقيات وتعهدات تعطى إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أو مؤسسات مالية دولية أو إقليمية أخرى.

إن طبيعة المساعدات نفسها، إن كانت جديدة أو مدوّرة (recycled)، أو جاءت على شكل قروض أو منح، بالإضافة إلى الآليات التي ستسخدم لإيصالها ، تبقى قضايا إشكالية وغير واضحة. بينما أوضحت مجموعة دول الثماني أن المساعدات التي تحدثت عنها ستدفع من خلال صندوق النقد الدولي والبنك الأوروبي للاستثمار بالإضافة إلى البنك الأوروبي للأعمار والتنمية، فان تجارب هذه المؤسسات السابقة لم تنجح بخدمة أهداف تنموية عادلة. بالعكس، فإن دراسات موثقة لمنظمات أوروبية تشير إلى غياب الشفافية في الآليات المعتمدة من قبل البنك الأوروبي للاستثمار، والى غياب آليات التقييم التي تحقق بالنتائج التنموية لتدخلاته، وبالتالي غالبا ما تفشل في خدمة تطلعات الشعوب في الدول المستفيدة أو في تحقيق أهدافها5. بالفعل، فإن البرلمان الأوروبي6 قد طلب من البنك الأوروبي للاستثمار مرارا تعزيز الشفافية والاستهدافات التنموية إضافة إلى المعايير البيئية والاجتماعية التي يعتمدها.

إن هذا الواقع يطرح شكوكا جدية حول إمكانية البنك في لعب دور فعال في خدمة العدالة والتنمية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تسعى لها شعوب المنطقة. إضافة إلى ذلك، فان تجربة البنك الأوروبي للأعمار والتنمية في دول وسط وشرق أوروبا ودول الاتحاد السوفياتي السابق (والتي هدفت إلى مساعدة هذه الدول الانتقال إلى اقتصادات السوق وتعزيز الديمقراطية التعددية) قد حققت “نتائج ملتبسة”، وذلك بحسب دراسات البنك نفسه. وفي ظل غياب التجربة السابقة للبنك الأوروبي للأعمار والتنمية في منطقة المتوسط إضافة إلى غياب المعلومات حول كيفية خدمة تدخلات البنك لأهداف مكافحة الفقر والتنمية، تطرح شكوكا جدية في قدرة البنك على المساهمة في مرحلة التحول الديمقراطي التي تمر بها مصر وتونس والتي تضع العدالة والتنمية وحقوق الشعوب في صلب أهدافها.   وفي هذا الإطار، نحن المنظمات الموقعة أدناه نشدد على أن المساعدات الوافدة إلى المنطقة يجب أن تدعم مسارات ديمقراطية تقوم على اولويات الشعوب ولا يجب أن تساهم في تحميل هذه الدول وشعوبها عبء المزيد من الديون أو تكبيل مساراتها التنموية من خلال الحد من المساحات المتوفرة لصناعة السياسات التشاركية والديمقراطية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.

من هنا، فإننا ندعو إلى:

  • تكريس الشفافية في المساعدات وطبيعتها من خلال إشراك كافة الفعاليات المعنية البلدين (مصر وتونس) بطبيعة الاتفاقيات التي تحكم تخصيص هذه الأموال أكانت قروضا أو منحا، وباليات توفيرها والمؤسسات المشاركة بذلك، وبمسارات تخصيص هذه الأموال إلى القطاعات الاقتصادية المختلفة في البلدين (منحا أو قروضا)، إضافة إلى إقرار آليات لتقييم نتائجها التنموية من ناحية تقليص الفقر وخلق فرص عمل ودعم المسارات الديمقراطية (بما في ذلك توفير المعلومات حول الدراسات التقييمية في الدول المستفيدة، مثل الدراسة التقييمية التي يعدها حاليا البنك الأوروبي للأعمار والتنمية حول مصر).
  • تقييم التدخلات السابقة لبنوك التنمية الدولية العاملة في المنطقة، ومنها البنك الدولي وبنك الاستثمار الأوروبي، على أن يتم ذلك قبل القيام بتوسيع دورها في المنطقة.
  • تخصيص هذه المساعدات لإعمال مبادئ العدالة الاجتماعية والاقتصادية والمنفعة العامة، بناء على الرؤية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية في الدول المستفيدة، حيث يفترض أن تتبلور بعد الانتخابات وبناء على مسارات ديمقراطية وتشاركية. لا بد من أن تخصص تلك الأموال لدعم احتياجات الشعوب في مصر وتونس من خلال التصدي لآليات الإفقار التي فرضت في ظل الأنظمة السابقة، ولدعم سياسات العمل اللائق والحماية الاجتماعية الشاملة وتنشيط الإنتاج والطلب الفعال في تلك البلدان. ولا يجب أن تخصص هذه الأموال لدعم أسواق التصدير والاستيراد والعمليات النقدية والتجارة الدولية أو تحرير القوانين التي يجب أن ترعى دور القطاع الخاص.
  • ضمان أن لا تساهم تلك المبالغ المخصصة من قبل دول مجموعه الثمانية بتعميق فخ مديونية في هذه الدول وشعوبها بدلاً من العمل على التخفيف من حدتها.
  • تقييم الديون المصرية والتونسية التي عقدتها الأنظمة الاستبدادية خلال حكمها والتي  تورطت فيها في غير مصلحة التنمية وذلك بهدف تحديد الديون غير المشروعة (الكريهة) منها والتي ندعو إلى إلغائها.
  • عدم فرض أية مشروطية حول السياسات العامة من خلال عملية تخصيص هذه المساعدات إلى الحكومات الانتقالية، لكي لا يجبر هؤلاء المسئولون المؤقتون غير المنتخبين من اتخاذ قرارات قد تلزم دولهم وشعوبهم بتوجهات لسنوات عديدة قادمة.
  • إتاحة المساحة أمام الحكومات المنتخبة بإعادة النظر ببعض الالتزامات التي تقدمت بها الأنظمة الاستبدادية السابقة في مجال الاتفاقيات التجارية والمالية والاقتصادية عامة، بما في ذلك العقود المتعلقة بالموارد الطبيعية وتلك المتعلقة بخصخصة قطاعات من الخدمات العامة في ظل شروط مجحفة وشابها الفساد.
  • ضرورة أن يتواكب هذا الدعم المالي المخصص للربيع العربي بالتخفيف من حدة القيود الواردة على حركة المواطنين بين ضفتي المتوسط في إطار تعميق الحق بالتنقل والسفر وربطها بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
  • يجب أن تتوازى تلك المبالغ المخصصة مع وجوب إلتزام الدول الأوروبية والأمريكية باسترجاع الأموال المنهوبة لمستحقيها من الشعوب العربية، وما يتطلب ذلك من ضرورات إلزام المؤسسات المالية والبنكية بالكشف والإعلان عن تلك الأموال، واتخاذ الإجراءات الواجبة في إرجاع هذه الأموال وأيضاً إعادة النظر في القواعد المنظمة لحركة رؤوس الأموال وبخاصة تلك المودعة بأسماء قادة وزعماء الدول التي تمارس استبداداً بحق شعوبها.