غوى النكت
المديرة التنفيذية – غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

نبارك لكم أولاً توليكم للمنصب الوزاري الجديد، خاصة مع وعينا للمسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق هذه الوزارة بالأخص، مع فشل الدولة في تأمين التغذية الكهربائية وغرق البلاد في العتمة والظلام، واختناق المواطنين من انبعاثات المولدات العشوائية وضيقهم من دويّ أصواتها، ذلك إن توفر الوقود لتشغيلها.

نحن نخاطبكم اليوم لأن لدينا أمل بقدرة هذه الوزارة على تحقيق إنجازات حقيقيّة وملموسة في هذا القطاع تؤدي إلى تغيير منهجي وبداية لحقبة جديدة. نحن نرى أن أزمة الطاقة التي نعاني منها هي فرصة للنظر إلى البديل النظيف، والآمن والمتجدد. وقد بات الخيار هذا اليوم خياراً ذو جدوى اقتصادية واضحة أكثر من أي وقت مضى، عوضاً عن كونه يعطي لبنان السيادة على مصدر الطاقة كون الطاقة تصبح من الإنتاج الداخلي ولا تستمر في استنزاف الخزينة وجيوب المواطنين من احتياطي الدولار. 

يتصدر قطاع الطاقة قائمة القطاعات الملوثة في لبنان، مؤديا في ذلك إلى أثر سلبي هائل على الصحة العامة والاقتصاد بحسب العديد من الدراسات والتقارير العالمية، والتي طالما تم تجاهلها في جميع مراحل التخطيط التي سبقت. وبحسب دراسة لمنظمة غرينبيس نشرت عام 2018، كان معدل الوفيات والخسائر الاقتصادية المقدرة جراء تلوث الهواء في لبنان من بين أعلى المعدلات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

نظرًا إلى أن خسارة مؤسسة كهرباء لبنان (المقدرة قيمتها بحوالى 1-2 مليار دولار سنويًا) هي من أكبر المساهمين في ديون الحكومة الهائلة والأزمة الإقتصادية الحالية، فإن الإستثمار في الطاقة المتجددة بات ضرورة من أي وقت مضى، خاصة مع صعوبة الحصول على الوقود اللازم لتشغيل المعامل الحرارية.

ليس هناك ما يمنع ان يتحول لبنان سريعا نحو تبني مصادر الطاقة المتجددة على نحو واسع، فجغرافية البلاد تسمح بذلك والعوامل الاقتصادية تتحول لتحفيز ذلك عوضاُ عن الاستمرار في الاستثمار في قطاع مبني على تكنولوجيا الوقود الأحفوري والذي أصبح أغلى سعراً من الطاقة المتجددة في الأسواق العالمية، وأعلى ثمناً على المجتمعات حين يتم تقدير الآثار السلبية له مثل التلوّث والعبء الصحّي.

إن الاستثمار في برامج الطاقة الشمسية وتشجيع الانتقال الجماعي لتبنيها يحتاج إلى الجرأة والإرادة والإيجابية، لا سياسيّاً فقط، بل على المستوى المجتمعي. نحن من الذين يؤمنون أن المجتمع اللبناني جاهز ومستعد لهذا النوع من التحدي، خاصة مع الحاجة الماسة التي تكشفت في العام الماضي الذي شهدت أزمات متتالية، نحن لسنا بحاجة إلى حنكة مالية واقتصادية وتجارية لقياس نتيجة هكذا تحول- بل للرؤية والبصيرة لحساب المنفعة العامة لهذا الجيل وجميع الأجيال الآتية من بعدنا.

لقد أظهرت مجموعة واسعة من الدراسات، من ضمنها دراستنا، ضرورة وضع الطاقات المتجددة ولا سيما الطاقة الشمسية، كركيزة أساسية لأي خطط تتعلق بتنمية هذا القطاع في لبنان، أو إنقاذه من أزمة جذرية عميقة مثل التي نعاني منها اليوم، ومن المؤكد أنها ستجني فوائد مباشرة وغير مباشرة أكثر بكثير من أي استثمار جديد في طاقة إنتاجية تعمد على الوقود الأحفوري لإنتاج الطاقة الكهربائية. 

لقد التزمت الدولة اللبنانية بتحقيق نسبة 18% من الطلب على الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول العام 2030، ويرتفع هذا الإلتزام إلى 30٪ إذا تم توفير التمويل الخارجي المشروط، وقد اعتمدت الوزارة هذه النسب ولكننا اليوم نواجه ظروف ملحة تدفعنا للتوجه السريع لموافاتها – لا بل لتخطيها، فالأزمة التي تكشفت في لبنان أظهرت العديد من السلبيات الناتجة عن الاعتماد على الخارج في تلبية حاجاتنا من الطاقة.

من الضرورة أن تتخلى الوزارة عن خططها وممارساتها السابقة غير المسؤولة التي ركزت على الإجراءات السريعة قصيرة الأمد وتوليد الطاقة بشكل مؤقت، ما أوصلنا إلى وضعنا الحالي.

التوصيات:

  • إدراكًا منا بأن مدة عمل الوزارة من المتوقع أن تكون قصيرة لحين إجراء الانتخابات النيابية، نوصي بوضع أسس قوية من شأنها تمهيد الطريق للوزارات الآتية. ينبغي أن يكون وضع رؤية لقطاع الطاقة وإجراء المشاورات مناسبة وشفافة مع كل الجهات المعنية، بما في ذلك المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية.
  • من الإصلاحات الرئيسية التي يمكنها ضمان الاستمرارية عبر الشروط الوزارية هي إنشاء هيئة تنظيمية مستقلة تستند إلى القانون 462 الصادر عام 2002 والتي تتمتع بتفويضات كاملة بإصدار التراخيص وتحديد التعرفة.
  • يجب عدم إنفاق الدعم المالي الذي من المفترض الحصول عليه (كبرنامج صندوق النقد الدولي وحقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي التي تقدر بحوالي 860 مليون دولار أميركي) على حلول قصيرة الأمد كما كان الحال، بل على الإصلاحات في القطاع والحلول المستدامة التي تبني أسسًا صلبة لقطاع الطاقة، فعلى سبيل المثال، يمكن إعطاء الأولوية لتمويل آلية دعم لأنظمة الطاقة الشمسية اللامركزية للحد من الاعتماد على مولدات الديزل الملوثة على دعم الوقود.،كما يجب أن يكون تأمين التمويل لتحديث شبكة الكهرباء بمثابة أولوية أيضًا.
  • على الوزارة إنهاء المفاوضات على الفور وإصدار التراخيص لمناقصة الـ 180 ميغاوات التي تم طرحها بالمزاد العلني عام 2020 لبناء 12 محطة للطاقة الشمسية في أنحاء البلاد كافة.
  • يجب إعطاء الأولوية لتقديم مشروع قانون الطاقة المتجددة اللا مركزي وقانون كفاءة الطاقة إلى مجلس النواب.

علينا التعامل مع الأزمة الحالية على أنها فرصة للإقلاع عن أعمالنا وممارساتنا المعتادة التي تركز على الحلول القصيرة الأمد غير المستدامة والمضرة التي تستخدم كحقن مورفين والمباشرة بالتحول المستدام لقطاع الكهرباء بالاعتماد على الطاقة المتجددة.

غوى النكت

المديرة التنفيذية – غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

إنضم إلى الحراك!

من أفراد مهتمين بحماية كوكبنا وتحقيق السلام العالمي والوصول الى التغيير الإيجابي من خلال التحرك الفعلي! معاً لن يستطيع احد ايقافنا. غرينبيس هي منظمة مستقلة تعمل على إحداث التغيير في السلوك والتصرفات، بهدف حماية البيئة والترويج للسلام العالمي.

انضم إلينا