يعتبر المغرب من بين البلدان المنخفضة والمتوسّطة الدّخل الأشد تأثرًا بتلوث الهواء، وذلك نظراً لاعتماده على الفحم كمصدر أساسي لإنتاج أكثر من ٥٠٪ من الكهرباء. إذ أنّ محطّات إنتاج الطّاقة التّي تعمل على الوقود الأحفوري في المغرب هي من بين  المحطّات الأكثر تسبيبًا لتلوّث غلافنا الجوي ومنظومتنا الإيكولوجية.  ثمّ ان المغرب هو البلد الوحيد في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي مازال يعتمد على إنتاج الطّاقة من الفحم الحجري بنسبة تزيد عن ٥٠٪ من الإنتاج الوطني للطاقة (الإحصائيات من العام ٢٠١٨). 

ولكن ماذا يعني ذلك؟

الاعتماد على الفحم لإنتاج الكهرباء يضع صحة كل مواطن مغربي في خطر، وهذا له ولذلك أثر سلبي على اقتصاد البلاد أيضاً. إذ وفق التقرير الأخير لمنظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحت عنوان: “الهواء السام: الثمن الحقيقي للوقود الأحفوري”، فإن مركبات إنتاج الطاقة من الوقود الأحفوري هي من أكثر المركبات الباعثة للغازات والملوثات السامة، وينتج عنها أضرار واضحة صحيا على المواطن المغربي. فقد بلغ العدد التقديري للوفيات المبكرة الناجمة عن تلوث الهواء بسبب الاعتماد على الوقود الأحفوري في المغرب  ٥١٠٠ وفاة سنويا أيّ بمعدّل ١٥ وفاة في اليوم. كما يخلف تلوث الهواء أضرار خفية اقتصاديا بحيث يكلف ٪١ من الناتج االمحلي الإجمالي، أي١١ مليار درهم مغربي. وتعادل هذه التكلفة الرقم عينه لكلفة برنامج الطاقة الريحية بـ ٨٥٠ ميكاواط، و ٦٠٠ منصب شغل مباشر. 

المغرب من رواد الطاقة المتجددة:

 على الرغم من أن المغرب في مصاف الدول الرائدة في العمل على الحد من الإنبعاثات  الدفيئة بنسب  تفوق ما هو مشروط عليه، غير أنه إقليميا يسجل فاتورة عالية اقتصاديا وصحيا  لاعتماده على محطات توليد الكهرباء من الفحم الحجري، وتوسيع نطاق نشاط محطات توليد هذا النوع من الطاقة وإنتاجها. مع الإشارة الى أن المغرب يطمح الى فتح محطات جديدة أخرى مطلع العام ٢٠٢٥ مع محطة “الناظور”. وبذلك يكون قد تخلف عن التزاماته الدولية، ويضع صحة المواطن المغربي بخطر.

وفي آخر مراجعة متعمقة لوكالة الطاقة الدولية لسياسات الطاقة في المغرب، أكدت الوكالة أن المغرب اتخذ بالفعل خطوات مهمة في المجالات المؤسساتية والقانونية والمالية لتعزيز التنمية المستدامة لقطاع الطاقة في البلاد. حيث أكدت الوكالة أن المغرب يسير في طريق  طموح للإنتقال الطاقي  المستدام. لكنها حذرت من أن البلاد بحاجة إلى زيادة الاستثمارات الخاصة والعامة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2030 بما يتماشى مع التزامات البلاد باتفاق باريس.

وأشارت وكالة الطاقة الدولية إلى أن المغرب لديه فرص كبيرة لتحسين الكفاءة واعتماد  المزيد من مصادر الطاقة المتجددة. ولكن حتى الآن لا تزال الدولة تعتمد على واردات النفط والغاز والفحم في 90٪ من احتياجاتها من الطاقة وتوليدها، فقد وصلت نسبة الاعتماد على الفحم 54٪ في العام ٢٠١٨.

تحديات جودة الهواء بالمغرب :

يحدد المغرب مستويات تلوث الهواء/جودة الهواء بمرسوم قانون (ملحق١) ،عن طريق حساب متوسط تركيز عدد من ملوثات الهواء مثل الجسيمات ذات قطر ١٠ ميكرومتر (PM10)، إلا أنه مثلا لا يحدد تركيزات  الجسيمات المركزة (PM2.5) ذات القطر٢.٥ ميكرومتر والتي إذا استُنشقت يتم اختراق الغشاء المخاطي التنفسي وتصل إلى داخل الجسم . و يساهم التعرض المزمن للجسيمات ذات القطر ٢.٥ في زيادة مخاطر الإصابة بسرطان الرئة والأمراض القلبية الوعائية والأمراض التنفسية ، وانخفاض متوسط العمر المتوقع.  تجدر الإشارة الى ان الجسيمات المركزة ذات القطر ٢.٥ ميكرومتر تتخطى الحدود المسموح بها  في بعض المدن المغربية طبقا لمعايير منظمة الصحة العالمية.

التوزيع الجغرافي للمراصد البيئية سواء التابعة لمديرية الأرصاد الجوية الوطنية أو التابعة لمؤسسة محمد السادس لحماية البيئة غير متوازن، فيوجد تمركز لمحطات الرصد خصوصًا في الدار البيضاء و القنيطرة ومراكش، وهي  ترصد بصفة متنقلة أو ثابتة لجودة الهواء.  إلا أنّ الوضع البيئي في مدن أخرى متدهور، مثل آسفي، المحمدية، جرادة، العيون، حيث  أن محطات الرصد لا توضح معلومات مفصلة عن جودة ونوعية الهواء في أوقات نوبات التلوث الحادة، وعن مستوى تركيز الملوثات في مناطق حضرية أو صناعية. بالإضافة إلى ذلك ، فالقياسات المحددة لمقذوفات الغازات الناتجة عن بعض الوحدات الصناعية ومحطات الكهرباء و مصانع الأسمنت، وصناعة الفوسفات وصناعة السيارات وصناعة السكر في طور الإنجاز غير واضحة أيضا.

 وعند البحث المتعمّق في الموضوع وجدت انه من المؤسف،على  الرغم من أهميته وخطورته، وجود  ندرة في المعلومات  وقصورفي تلك المتاحة منها لتوفير صورة حقيقية للوضع الحالي لجودة الهواء أو لنسبة تلوث الهواء في بعض المدن المتضررة.

طرق يمكننا من خلالها الوقاية من تلوث الهواء

علما أنّ تلوّث الهواء السامّ يُشكّل خطرًا عالميًا، إلا أنّ الحلول تتوفّر أكثر فأكثر فيما كلفتها تُصبح قريبة من المتناول. كما أنّ العديد من الحلول لتلوّث الهواء بسبب الوقود الأحفوري من شأنها معالجة تغيّر المناخ أيضَا. فالطاقة المتجدّدة ووسائل النقل التي لا تُصدِر انبعاثات كربونية لا تُساهِم فقط في الحدّ بشكل ملحوظ من الملوّثات السامّة مثل المواد الجُسيمية وأكاسيد النتروجين والأوزون، بل تُساعِد أيضًا في حماية الغلاف الجوّي من غازات الاحتباس الحراري التي تُسبِّب تغيّر المناخ.

هناك كذلك أساليب و طرق ترتكز  على تدابير ملموسة تدعم الجهود الرامية إلى كبح جماح التغيّر المناخي. ومن بينها:

  • التخلّص التدريجي من محطّات الكهرباء العاملة بالوقود الأحفوري، وتوليد الكهرباء من الطاقة المتجدّدة بدلًا من الوقود الأحفوري.
  • تشجيع مشاريع البحث ودراسة جودة الهواء التي تمولها الحكومة لتطوير طرق النقل الكهربائية الصديقة للبيئة، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
  • توفير المعلومة، وتيسير الولوج إليها في ما يخص جودة الهواء، واستحداث تقارير ومستجدات حول جودة الهواء في المدن المغربية، و نشرها إعلاميا.
  • تعزيز تطوير مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة والابتعاد عن استخدام الوقود الأحفوري، وتقليل انبعاث ثاني أكسيد الكربون. لدى المغرب موارد طبيعية هامة، ويمكن من خلالها توفير وإنتاج الطاقة، مثل الاستفادة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية وتطوير مشاريع محطة توليد الطاقة  عن طريق  ضخ المياه ( 

(STEP – Station de Transmission d’Energie par Pompage كمحطة عبد المومن.

من أجل هواء صحيّ ونظيف

يتعرض أكثر من ٩٠٪ من سكان العالم للهواءالخارجي السامّ. ويقدّر أن تلوث الهواء يتسبب في أكثر من ٧ ملايين حالة وفاة مبكرة في جميع أنحاء العالم سنويًا.

انضم إلينا