كل شهر نطلب من متابعينا في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن يخبرونا كيف يلتمسون آثار تغيّر المناخ. بطبيعة الحال، لا يمكن أن تُعزى كل هذه الأمثلة إلى تغيّر المناخ وحده، لكن التصوّرات والتجارب والوقائع المختلفة للناس في منطقتنا تساعدنا على اكتساب معرفة عامة لكل الأنماط المتعدّدة والمتشابه التي يرون من خلالها تغيّر المناخ، والتي تؤثّر على حياتهم ومحيطهم. 

نخطّط لنشر هذه المدوّنة شهرياً – إذا كنت ترغب في مشاركة تجربتك الخاصة، أخبرنا هنا.

طنطا تفتقر هطول الأمطار: أين اختفى شتاء المصريين؟

قد تكون ظروف الطقس المتطرّف، التي تتفاوت بين موجات الصقيع القاسية والمُفاجِئة وقلّة المتساقطات، هي الظروف المناخية الأكثر تواتراً في معظم دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هذا الشتاء. على الأقل، هذا ما تخبرنا به قصص الشاهدين على آثار تغيّر المناخ الذين راسلونا. وهي قصص تشكّل جزءاً أساسياً من آلية تقصّي وتوثيق التحوّلات المناخية الطارئة في منطقتنا بسبب أزمة المناخ.

قد تكون قلّة المتساقطات هي أبرز التحوّلات الحاضرة في ذاكرة حسني سيّد حسني، الذي وُلد في طنطا المصرية وعاش فيها. ووفق شهادته، تفتقد المدينة التي تتوسّط القاهرة والاسكندرية هطول الأمطار، ويقول: “عندما كنت صغيراً، أي قبل نحو 40 عاماً، كانت السماء تُمطر بغزارة، وكنّا نخاف على سلامة منازلنا من شدّة المطر وغزارته. لكن في الوقت الحالي، نلاحظ ندرة هطول الأمطار التي تتزامن مع انخفاضٍ كبير وفُجائي فى درجات الحرارة. الشتاء أصبح بارداً جداً ولكنّه جاف، وفي الصّيف باتت الحرارة تشتدّ لتصل إلى درجاتٍ مُلتهِبة، وهو ما لم يكن مألوفاً في صغري، ناهيك عن اختفاء فصلَي الرّبيع والخريف. فبمجرّد انتهاء فصل الشتاء، يبدأ فصل الصيف الذي أصبح أطول وأشدّ حرارة”.

إلى القاهرة يأخذنا عبد الله عوّاد، حيث تكثر زراعة نبتة شبّ الليل (Mirabilis Jalapa)، التي تُعرف أيضاً بنبات “الساعة الرابعة” تيمّناً بخصائصها، إذ إن أزهارها تتفتّح بين الرابعة عصراً حتى صباح اليوم التالي. يقول عبد الله إن “النبتة التي اعتدنا أن تُزهر في الربيع والصيف، تبدأ عادةً في الذبول عند حلول الخريف وتتساقط بذورها في التراب، لتبدأ دورة حياتها من جديد عندما يأتي الربيع”. ويضيف: “يبدو أن تغيّر المناخ عطّل هذه الدورة، بحيث باتت النّبتة تُزهر في غير أوانها”.

ينقل لنا تيسير حسين شهادة مشابهة من محافظة الفيّوم، التي تقع في إقليم شمال الصعيد، وتحديداً من “قرية زراعية صغيرة أثّر تغيّر المناخ على المحاصيل فيها بشكلٍ ملحوظ، وعلى إنتاجية الذّرة الرفيعة بشكلٍ خاصّ”، كما يقول، بعد “موجات الحرّ والجفاف القاسية التي ضربت المنطقة خلال الصيف الفائت”.

نعود مجدداً إلى القاهرة من خلال شهادة ندى، التي لم تلتمس حتى الآن إحساس الشتاء الحقيقي، موضّحة: “نحن الآن في شهر كانون/الثاني يناير 2023 الذي اعتدنا أن يكون أكثر أشهر السنة برودة. هذا العام لم أشعر بذلك على الإطلاق، فأدركت أن شيئاً ما ليس على مايرام”.

شتاء المغرب العربي قارس البرودة

“تُعرف مدينة مراكش بطقسها الحارّ خصوصاً في فصل الصيف، وهو أمر طبيعي للغاية. لكن درجة الحرارة المرتفعة تستمرّ حتى شهري تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر وهو تغيّر غير مألوف. نحن الآن في منتصف كانون الثاني/يناير ونواجه موجة برد قارس غير مسبوقة، فبات شتاءنا أيضاً غير طبيعي”. هكذا تصف لنا ليلى التغيّرات التي التمستها أخيراً في المغرب، في مشهد يبدو مشابهاً لشتاء إقليم بني ملال، الذي يبعد عن مراكش نحو 191 كلمتراً. فبحسب شهادة محمد لطفي، الذي يسكن في عاصمة إقليم بني ملال، “انخفضت درجات الحرارة بشدّة هذا العام”، لكن المدينة لم تشهد في مقابل ذلك تساقطات مطرية بنسبة كبيرة.

إلى مدينة بودواو الجزائرية، تحملنا شهادة ابراهيم طلموت الذي التمس تأثير الاضطرابات المناخية على إنتاج شجرة “الفيجوا”، (Feijoa) أو ما يُعرف في العالم العربي بـ”جوافة الأناناس”، التي يجمع مذاقها بين ثمار الجوافة والأناناس. يقول ابراهيم: “في السنوات الماضية، كانت شجرة الفيجوا تنتج حصة كبيرة من الثمار التي تنضج مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر. بنهاية الصيف الماضي، تراجعت الإنتاجية بنسبة 90% وتأخّر نضوج الثّمار حتى نهاية شهر كانون الأوّل/ديسمبر. وأعتقد أن السبب في ذلك هو تأخّر سقوط الأمطار هذا العام”. والحال أن قلّة المتساقطات كانت أحد أبرز مظاهر اضطرابات الطقس المتكرّرة في شهادات أغلب الجزائريين الذين راسلونا، ومنهم بدر الذي ختم قصّته قائلاً: “شتاء الجزائر هذا العام دافئ للغاية. ترتفع درجات الحرارة بوضوح خلال ساعات النهار. الطقس مشمس في أغلب الأحيان، وتشعر كأنك في فصل الصيف، إذ إننا لم نشهد تساقطاً حقيقياً للأمطار حتى الآن”.

هل واجهت آثار تغيّر المناخ؟

لأن التغير المناخي يعدّ من أخطر التهديدات التي تواجه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكجزء من مشروعنا التوعوي لمواجهة آثاره والتكيّف معها، نريد أن نسمع منك، ومن المواطنين في جميع أنحاء المنطقة الذين يشهدون على التغيرات من حولهم، تلك التي تسبَّبَ بها الاحترار العالمي.

انضم إلينا