كل شهر نطلب من متابعينا في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن يخبرونا كيف يلتمسون آثار تغيّر المناخ. بطبيعة الحال، لا يمكن أن تُعزى كل هذه الأمثلة إلى تغيّر المناخ وحده، لكن التصوّرات والتجارب والوقائع المختلفة للناس في منطقتنا تساعدنا على اكتساب معرفة عامة لكل الأنماط المتعدّدة والمتشابهة التي يرون من خلالها تغيّر المناخ، والتي تؤثّر على حياتهم ومحيطهم.

نخطّط لنشر هذه المدوّنة شهرياً – إذا كنت ترغب في مشاركة تجربتك الخاصة، أخبرنا هنا.

ملامح الاحترار تظهر في فلسطين: النّحل في بيت لحم يخرج من سُباته الشتوي باكراً

عندما نتحدّث عن آثار تغيّر المناخ في الشرق الأوسط، قلّما يتم الإشارة إلى تجلّياتها في فلسطين. والحال أن الأراضي الفلسطينية ليست بمنأى عن الاضطرابات المناخيّة التي ينتج منها ارتفاع في درجة الحرارة، تواتر موجات الجفاف وانخفاض في نسبة المتساقطات…

يقع وادي المخرور بين بلدتي بيت جالا وبتير غربي مدينة بيت لحم الفلسطينية. وبحسب شهادة النّحّال ابراهيم الخمور، يستمدّ الوادي اسمه من الصوت الذي يولّده خرير الماء، وهو الصوت الذي يقول إنه “اختفى تماماً هذا العام”.

يقول الخمور إنه يعمل “في تربية النّحل في بيت لحم، أريحا ورام الله (مدن فلسطينية). وقد لاحظت ظهور ذكور النحل في شهر كانون الثاني/يناير من هذا العام، في تحوّل غريب جداً، إذ إن ذكور النّحل تظهر عادةً ابتداءً من منتصف شهر آذار/مارس”. ووفق شهادة النحّال الفلسطيني، فإن ظهورها باكراً هذا العام خلافاً لما هو معتاد يعني أن النّحل خرج من سُباته الذي يمتدّ طوال موسم الشتاء مبكراً جداً، وهذا “من شأنه أن يؤثّر سلباً على مناعة النّحل ومقاومته للأمراض”، لافتاً إلى أن “موسم الشتاء يُعدّ فترة نقاهة واستراحة للنّحل”.

اللافت في شهادة الخمور إشارته إلى أن أشجار اللّوز في بيت لحم أزهرت هذا العام في غير أوانها، ومن المعلوم أن ثمة علاقة وثيقة بين النّحل وأزهار اللوز. فمع حلول آذار من كل عام، تتفتّح براعم أشجار اللوز استعداداً للتلقيح من قبل النحل الذي يتغذّى بدوره من رحيقها. لكن عندما يخرج النحل من سباته الشتوي باكراً، يبحث عما هو متوافر من حبوب اللقاح لإنعاش مستعمراته. وعندما لا يجدها، يبدأ بقضم أوراق النبات بهدف خداعه ليُزهر قبل أوانه، كما تفيد دراسة نُشرت في دورية “ساينس” العلميّة. هكذا، تتفتّح أزهار اللوز باكراً، فيختلّ النظام البيئي الذي كان سائداً لعقودٍ طويلة.

ولهذا الاختلال تداعيات على صحة النّحل الذي “تتراجع مناعته”، كما يقول الخمور، ليفقد جزءاً من قدرته على العمل عندما يمرض. وفي هذا الإطار، يرجّح النّحال الفلسطيني أن “يخسر مربّو النحل في فلسطين عدداً كبيراً من الخلايا هذا العام، وأن يتكاثر في المقابل الدبّور الأحمر”.

تداعيات الاحترار تبدو حاضرة أيضاً في سماء مدينة طولكرم، التي تقع في الجزء الغربي من فلسطين، حيث يوثّق رياض أبو سمرة الاضطراب في هطول الأمطار التي تنهمر أحياناً بهدوءٍ ولطف، وفي أحيانٍ أخرى بغزارةٍ وعنف مصحوبةً بالفيضانات. وهذا الاضطراب “أثّر بشكلٍ مباشر على النباتات”، كما يقول أبو سمرة، إذ إن التغيّرات المُفاجئة في درجات الحرارة هذا الشتاء يبدو أنها تسبّبت في تغيُّر الاستجابات المناعية للنباتات والمحاصيل، وتالياً في زيادة انتشار الأمراض النباتية بمساعدة من الحشرات الغازية “مثل العناكب والمنّ”.

الربيع في الجزائر أكثر شبهاً بالصيف

العامان الأخيران في الجزائر شهدا “احتراراً غير مسبوق”، وفق شهادة آمال ينون التي تعيش في ولاية جيجل الساحلية، شرق البلاد. وتقول: “الفصول تداخلت بشكلٍ لافت، إذ حلّ الربيع باكراً لكنه جاء بمناخخٍ يُشبه الصيف أكثر. وهذا ما شعرنا به عندما حلّ الشتاء نهاية العام الماضي بمناخٍ أقرب إلى الربيع. تراجعت كمية المتساقطات بشكلٍ كبير جداً، وقد رافق ذلك تغيّر في أوقات نضج الثّمار. مساحات واسعة من الأراضي الزراعية أضحت قاحلة بسبب شحّ الأمطار. نحن نشهد تغيّرات غير مسبوقة في المناخ، وفي مقابل ذلك تتجاهل السلطات أهمية التخطيط لمواجهة هذه التغيّرات والتكيّف معها”.

شهادة ينون تشبه إلى حدّ كبير ما ينقله لنا أحمد بن قبي المسيلة، الذي أكّد حلول الربيع هذا العام مصحوباً بـ”جفاف شديد وغير مألوف حتى سنواتٍ قريبة”. ويضيف: “ثمّة احترار غير عادي نشعر به. لطالما كانت أشهر الربيع باردة إلى حدٍّ ما. اليوم أصبحنا نشهد حرارة غير عادية تلامس حرارة الصيف، ويرافق ذلك تدهور رهيب في الغطاء النباتي…”.

إلى جنوب الجزائر، وفي ولاية عين صالح التي تحمل عاصمتها الاسم نفسه، ينقل لنا محمد ما يمكن التماسه بنتيجة الاحترار، قائلاً: ” نرى آثار تغيّر المناخ في نقص المياه الجوفية في مدينتي حيث أعيش. كانت مدينة عين صالح مليئة بأحواض المياه وبها احتياطات هائلة من المياه الجوفية. وبسبب التغيّرات المناخية وموجات الجفاف وقلّة الأمطار، أصبحت الولاية اليوم تعاني من نقص كبير في الثروة المائية”.

هل واجهت آثار تغيّر المناخ؟

لأن التغير المناخي يعدّ من أخطر التهديدات التي تواجه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكجزء من مشروعنا التوعوي لمواجهة آثاره والتكيّف معها، نريد أن نسمع منك، ومن المواطنين في جميع أنحاء المنطقة الذين يشهدون على التغيرات من حولهم، تلك التي تسبَّبَ بها الاحترار العالمي.

انضم إلينا