تشير المعدلات المرتفعة للإصابة بسرطان الرئة في دولٍ مثل لبنان، العراق، تونس، والجزائر، إلى ارتباط وثيق بمستويات تلوث الهواء المرتفعة التي تتسبب بها الصناعات التي تعتمد على الوقود الأحفوري.

 تشير المعدلات المرتفعة للإصابة بسرطان الرئة في دولٍ مثل لبنان، العراق، تونس، والجزائر، إلى ارتباط وثيق بمستويات تلوث الهواء المرتفعة التي تتسبب بها الصناعات التي تعتمد على الوقود الأحفوري (النفط والغاز). استناداً إلى دراسة حملت عنوان “العبء العالمي للأمراض” الصادرة في عام 2021، فإنّ 3% من الوفيات العالمية ناتجة عن سرطان القصبة الهوائية، والشعب الهوائية أو سرطان الرئة، بينما تشكّل الوفيات الناتجة عن هذه الأنواع من السرطان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 1.8% (2.9 % في لبنان، 1.8 % في العراق، 2.3 % في تونس، 0.9 % في الجزائر)، وكان معدّل الإصابة بسرطان الرئة عالمياً حسب متوسط الأعمار في العام 2022 قد بلغ 26.3 لكل 100000.

سرطان الرئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

سرطان الرئة بالأرقام بحسب منظمة الصحة العالمية، يُعدّ سرطان الرئة سبباً رئيسياً للوفيات المرتبطة بالسرطان عالمياً، ويترك تأثيراً بالغاً في منطقتنا. فقد أظهرت الأبحاث والفحوصات مختلفة في بلدانٍ كمصر، الجزائر، لبنان، تونس، المغرب، والعراق، معدّلات إصابة متفاوتة. على سبيل المثال، في مصر في العام 2022، سُجّلت 26845 حالة سرطان رئة جديدة مع معدّل وفيات يبلغ 10 %، مؤدّيةً إلى أحد معدّلات الانتشار الأعلى في المنطقة. يليها مباشرةً المغرب وتونس مع تزايد في عدد الحالات كل سنة. وتركّز هذه الأرقام على الحاجة الملحّة إلى تعزيز استراتيجياتٍ وقائية وسياسات رعاية صحية تهدف إلى تخفيض معدّلات الإصابة بسرطان الرئة.

العوامل الرئيسة ومخاطرها

تساهم عدة عوامل خطرٍ أساسية في ازدياد عدد حالات سرطان الرئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويشكّل التدخين سبب الوفاة الأهم الذي يمكن الوقاية منه عالمياً، متسبباً بنحو 90% من حالات سرطان الرئة. وبُعتبر التعرّض للملوّثات البيئية من العوامل الرئيسة وهو يتأثر بشكلٍ كبير بالانبعاثات الصناعية (خاصة منطقة شمال إفريقيا)، والتلوث الناجم عن حركة المرور الذي يلعب دوراً بالغ الأهمية. 

علاوةً على ذلك، يزيد اعتماد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الكبير على الوقود الأحفوري لإنتاج الطاقة من العبء الإقليمي لمهيّجات الجهاز التنفّسي. لذا تُعتبر معالجة عوامل الخطر هذه من خلال مبادرات صحيةٍ عامة شاملة بالغة الأهمية للحد من تفشّي سرطان الرئة.

تحديات مقاومة القاتل الصامت

أدّى الإعتماد المكثّف للوقود الأحفوري في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لا سيّما في قطاعي الصناعة والنقل، إلى زيادة التعرّض للملوّثات المسرطنة. فالمركبات والمصانع ومحطات توليد الطاقة تطلق كمية كبيرة من السموم في الهواء، لا سيما في المدن. وتواجه بلدان كمصر والعراق  والتي تضمّ مراكز حضرية واسعة، مخاطر متزايدة نتيجة لحجم الملوثات المنبعثة من الاعتماد الكبير على الوقود الأحفوري.

النقص في الوعي العام الوعي العام ضعيف جداً فيما يتعلق بمساهمة انبعاثات الوقود الأحفوري في تلوّث الهواء، مما يجعله قاتلاً صامتاً. فبحسب منظمة الصحة العالمية، لا يعلم كثيرون منّا أن 90% من الهواء الذي نتنفسه ملوّث. ويمكن أن يؤدي استنشاق الملوثات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري على مدى فترات طويلة إلى مشاكل صحية خطيرة مثل سرطان الرئة، وأمراض القلب، والحالات التنفسية.

نقص في أجهزة رصد جودة الهواء

يؤدي نقص أجهزة مراقبة جودة الهواء في العديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى نقص البيانات المتوفرة حول مستويات الملوثات الهوائية، إذ تعيق هذه المشكلة القدرة على تنفيذ الإجراءات التي يمكن أن تحدّ من الظروف المسببة لسرطان الرئة. ومع نُدرة أجهزة الرصد، يبرز هنا تحدٍ آخر في سنِّ وتطبيق قوانين بيئية يمكن أن تخفف من تلوث الهواء.

بيانات جودة الهواء 

تعد جودة الهواء الرديئة قضية ملحة في عدة دول من المنطقة. وفقًا للأرقام منظمة الصحة العالمية، تواجه المراكز الحضرية في لبنان وتونس والمغرب، على سبيل المثال، مستويات مرتفعة من الجسيمات الهوائية، التي غالبًا ما تتجاوز عتبات الأمان التي تحددها المنظمة. وتستطيع هذه الجسيمات أن تخترق عمق الرئتين، وهي لا ترتبط ارتباطاً وثيقاً بسرطان الرئة فحسب بل أيضاً بأمراض الجهاز التنفّسي المزمنة. يؤدي النقص في أجهزة رصد جودة الهواء الى عدم الوصول إلى بيانات جودة هواء موثوقة. غالبًا ما تكون البيانات المتوفرة غير شاملة أو غير محدثة، مما يحد من فائدتها في تقييم المخاطر وصياغة السياسات الصحية المناسبة. ويُعتبر تحسين البنية التحتية للرصد البيئي، بالإضافة إلى ضمان جمع بيانات هواء عالية الجودة وذات صلة، أمر حيوي لتشكيل استراتيجيات الصحة العامة الفعالة ضد سرطان الرئة. يشمل ذلك تنفيذ سياسات بيئية أكثر صرامة وتعزيز وعي الجمهور من خلال حملات توعية تعليمية لمعالجة مشكلة تلوث الهواء بشكل شامل.

كيف يمكن التصدي لهذا الخطر؟تسلط الإحصاءات والعوامل المهددة المرتبطة بسرطان الرئة في المنطقة الضوء على الحاجة الملحة لاتخاذ الإجراءات اللازمة وتضافر الجهود من خلال فهم العلاقة بين تلوّث الهواء وسرطان الرئة. يمكننا اتخاذ خطوات استباقية للتخفيف من هذه الأزمة الصحية في المنطقة حيث يُعتبر تنفيذ حملات توعية شاملة والاستثمار في أجهزة رصد جودة الهواء والشفافيّة في نشر بيانات جودة الهواء والتحوّل بعيداً عن الوقود الأحفوريّ والاعتماد على مصادر طاقة متجددة أموراً بالغة الأهمية. وكما شهدنا في بلدانٍ مثل مصر ولبنان والمغرب، فإن المعركة ضد سرطان الرئة ليست طبية فحسب، بل هي إجتماعية وصناعية أيضاً، وتتطلّب تغييرات كبيرة في مصادر توليد الطاقة. لذا فإن اتّخاذ الإجراءات الآن قبل فوات الأوان من شأنه أن ينقذ ملايين الأرواح في منطقتنا.

الوضع الحالي وفقاً للبلدان 

شمال إفريقيا

في تقريرها الأخير بعنوان “كشف النقاب عن ملوّثات الهواء الرئيسة في إفريقيا“، كشفت منظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عن أرقام صادمة حول مصادر تلوث الهواء في شمال إفريقيا. فمن بين أكبر عشرة مصادر لتلوث الهواء بثاني أكسيد الكبريت في إفريقيا، توجد محطتان للطاقة في مصر والمغرب. وفي شمال إفريقيا، يُعتبر قطاع الطاقة، لا سيما صناعة النفط والغاز، المساهم الأكبر في الانبعاثات المُلوّثة للهواء، وتشمل ثاني أكسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكبريت والمركّبات العضوية المتطايرة. وفقًا لصور الأقمار الصناعية، يوجد بؤر تلوث هوائي ساخنة في مصر، وليبيا، والمغرب، وتونس. كما يشير تقرير البنك الدولي لعام 2022، إلى أن الجزائر وليبيا تندرجان في قائمة البلدان العشرة الأولى في العالم في حرق النفط والغاز، مساهمتين مساهمةً كبيرة في الانبعاثات الإقليمية. 

وتُسجل مصر معدلات الوفيات الأعلى الناجمة عن تلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة (PM2.5) في شمال إفريقيا، وكان من الممكن أن يرتفع متوسط العمر المتوقع بمقدار 1.3 سنة إذا كانت إرشادات جودة الهواء التابعة لمنظمة الصحة العالمية قد تم الوفاء بها في عام 2021. بالإضافة إلى ذلك، في مصر يُعتبر الغبار المصدر الرئيسي لتلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة PM2.5، بينما في المغرب، يُعزى نحو 53% من PM2. الجسيمات البيئية إلى الصناعات، و35% إلى الغبار، و13% إلى حركة المرور.

مصر

في مصر، يشكّل سرطان الرئة سبباً كبيراً من الوفيات المرتبطة بالسرطان. واستناداً إلى تقرير نوعية الهواء العالمي في العام 2023، حلّت القاهرة في المرتبة الخامسة للمدن الإقليمية الأكثر تلوّثاً. 

الجزائر

تواجه الجزائر معركةً مماثلة مع سرطان الرئة، مع احتلال التلوث موقع الصدارة. فقد أدّى التطور الصناعي السريع في الجزائر إلى كلفةٍ بيئية باهظة. وفقًا لتقارير غرينبيس، فإن مدناً كالجزائر ووهران تعاني من معدّلات مرتفعة من الملوّثات المحمولة جواً بسبب الصناعات الثقيلة والمركبات، وتساهم هذه الانبعاثات مساهمةً كبيرة في ارتفاع حالات سرطان الرئة، مما يجعل من الضروري اتخاذ إجراءات تنظيمية صارمة.

لبنان

يواجه لبنان مشاكل خطيرة مرتبطة بجودة الهواء، ولا سيما في المراكز الحضرية كمدينة بيروت. فاستناداً إلى تقرير لـصحيفة “غارديان”، أدّى الاعتماد المفرط على المولدات العاملة بالديزل في بيروت في السنوات الخمس الأخيرة إلى مضاعفة خطر الإصابة بالسرطان. ويُقدّر بأن نحو 8000 مولّد عامل بالديزل يوفّر للمدن اللبنانية الطاقة الكهربائية منذ العام 2019. تسهم هذه الانبعاثات الناتجة بشكل كبير عن المولدات التي تستخدم بشكل واسع لتغطية نقص الكهرباء، بشكل كبير في تلوث الهواء مما يزيد من تفاقم المشاكل الصحية في المدينة.

تونس

تواجه تونس تلوثاً هوائياً شديداً، لا سيّما في مناطقها الصناعية. فبحسب الموجز القطري للسرطان في تونس في العام 2020 الصادر عن منظمة الصحة العالمية، بلغ عدد إجمالي حالات سرطان الرئة المقدّرة 1729 حالة في العام 2012 وازداد ليبلغ 1909 حالة في العام 2018. ومن المتوقّع أن يبلغ عدد حالات سرطان الرئة 3237 حالة في العام 2040. وتُبرز هذه الأرقام الحاجة الماسّة إلى تحسين رصد جودة الهواء وتطبيقٍ أكثر صرامة للقوانين البيئية لمعالجة هذه القضية الصحية العامة.

المغرب

شهد المغرب ارتفاعاً مستمراً في معدّلات الإصابة بسرطان الرئة. وأفادت جمعية علم الأورام المغربية بأن المناطق الحضرية بشكلٍ خاص مُنيت بأضرار بالغة من جرّاء تلوث الهواء الناجم عن حركة المرور والأنشطة الصناعية. وحددت وزارة الصحة تلوث الهواء على أنه عامل خطر أساسي لسرطان الرئة، داعيةً إلى تطبيق قوانين بيئية أكثر صرامةً. 

العراق

في العراق، تتأثر معدلات سرطان الرئة بشدّة بالعوامل البيئية، بما فيها التلوث الناجم عن الاستخدام المفرط

للوقود الأحفوري في توليد الطاقة الكهربائية والنقل. وأدّى الاعتماد الكبير على الصناعات المعتمدة على الوقود الأحفوري إلى تدهور جودة الهواء. ويمكن أن يسهم هذا التلوث في زيادة معدّلات خطر الإصابة بسرطان الرئة بين السكّان، مما يشكّل تحدياً كبيراً للصحة العامة. واستناداً إلى وكالة الطاقة الدوليّة(EIA)، يُعد العراق ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة الأوبك بعد المملكة العربية السعودية، وسادس أكبر منتج للسوائل البترولية في العالم، هادفاً إلى تحديد إنتاجه في العام 2030 ليكون ثالث أكبر مساهم في إمدادات النفط العالمية.

اتّخذ الإجراءات اللازمة وانضمّ إلى الحراك

ارفع صوتك وكن جزءاً من التغييرّ، مُطالباً بهواء نظيف في منطقتك. من خلال الدعوة لسياسات بيئية أكثر صرامةً وتحسين رصد جودة الهواء. دعونا نتحد لتحويل الوعي إلى عمل ملموس ولجعل سرطان الرئة تهديداً أقل خطراً على الأجيال المقبلة. 
انضمّ/ي إلى الحراك للمطالبة بهواء صحّي ونظيف ووقّع/ي على العريضة .