في ظلّ التوقعات التي تشير إلى انخفاض استهلاك أنواع الوقود الأحفوري الثلاثة الرئيسية بحلول نهاية العقد الحالي، يعدّ اتّباع نهج مبتكر وشامل للاقتصاد الذي لا يعتمد على عائدات النفط والغاز أمراً حيوياً لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فما هي الإجراءات الحاسمة التي يجب اتخاذها من أجل تعزيز وتوجيه الانتقال نحو الطاقة المتجدّدة في منطقتنا؟

مما لا شكّ فيه أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تزخر بثروة من موارد الطاقة، وأن توفّر الغاز الطبيعي والنفط بكلفة معقولة يعيق الانتقال الطاقوي السريع فيها. ومع ذلك، بينما نشهد ارتفاعاً في وتيرة وشدة الكوارث المناخية، يصبح من الواضح أن العالم يتغير بوتيرة مثيرة للقلق.

ترسم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) في تقريرها الأخير صورة قاتمة: إن القرارات التي نتخذها والإجراءات التي ننفّذها خلال العقد الحالي، لن ترسم فقط ملامح المستقبل المنظور، بل سيكون لها أثر لآلاف السنوات المقبلة. وعلى الرغم من بذل قصارى جهدنا، فإن السياسات الحالية لا تزال تضعنا في مسارٍ يتّجه نحو ارتفاع درجات الحرارة العالمية بمقدار 3 درجات مئوية. تشكل مصادر الطاقة المتجدّدة حجر الزاوية في استراتيجيتنا لخفض الانبعاثات العالمية إلى النصف بحلول العام 2030.

وتعزيزاً لهذا الموقف، تؤكد وكالة الطاقة الدولي (IEA) بوضوحٍ لا لبس فيه: أن الاستثمارات في الطاقة النظيفة يجب أن تتضاعف بمعدّل ثلاث مرات بحلول العام 2030. كما تتوقع أن يبدأ استهلاك أنواع الوقود الأحفوري الثلاثة الرئيسية في الانخفاض هذا العقد بسبب النمو السريع لمصادر الطاقة المتجددة وانتشار السيارات الكهربائية. ولذلك، فإن التزام المنطقة بتسريع التحول نحو الطاقة المتجدّدة ومستقبل مستدام وأخضر أمر لا مفرّ منه، للتخفيف من أزمة المناخ، وكذلك بناء اقتصاد أكثر مرونة في المدى الطويل.

من أجل تعزيز وتوجيه الانتقال نحو الطاقة المتجددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هناك حاجة لاتباع نهج شامل ومتعدد الأوجه. فيما يلي بعض الإجراءات الحاسمة التي يجب اتخاذها:

1. إعادة توجيه دعم الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة

وفقا لصندوق النقد الدولي (IMF)، تضاعف إجمالي الدعم المقدم لشركات الوقود الأحفوري في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكلٍ مفاجئ بين عامي 2020 و 2022. ويمكن إعادة توجيه المبلغ الكبير من الأموال التي تنفقها حكومات المنطقة على إعانات دعم الوقود الأحفوري لتمويل البحوث، البنية التحتية وتطوير مشاريع الطاقة المتجددة. استأثرت منطقتنا بحصة 26% من إجمالي الدعم العالمي الصريح للوقود الأحفوري البالغ 1.3 تريليون دولار، أو ما يعادل 340 مليار دولار تقريباً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وعلى سبيل المثال، بلغت مخصّصات الدعم العلني في عام 2022 نحو 129 مليار دولار في المملكة العربية السعودية، فيما بلغ الدعم الضمني نحو 124 مليار دولار.

2. تعيين الإمكانات الحقيقية لمصادر الطاقة المتجددة

تتعرض منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لنسبة تتراوح بين 22 و 26% من جملة الإشعاع الشمسي على كوكب الأرض. ويمكن لكل كيلومتر مربع من هذه المنطقة أن يستخدم طاقة شمسية تعادل ما ينتجه 1-2 مليون برميل من النفط سنوياً، وهو ما قد يُلبّي نصف احتياجات العالم من الكهرباء. بالإضافة إلى ذلك، تتميز ثلاثة أرباع المنطقة بسرعات رياح تتجاوز المقياس الأدنى المطلوب لمشاريع طاقة الرياح واسعة النطاق. ويبدو أن إمكانات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في هذه المنطقة لا تلبي الطلب المحلي فحسب، بل تمهد الطريق أيضاً لتصبح رائدة في تصدير الطاقة المتجددة. وقد أعلنت دولة الإمارات هذا العام عن خطتها لمضاعفة قدراتها الإنتاجية للطاقة المتجددة بنحو ثلاث مرات واستثمار ما يصل إلى 54 مليار دولار على مدى السنوات السبع المقبلة لتلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة.

لذا، نحن بحاجة لأن تقدّم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المزيد في هذا الإطار. ومن الممكن أن يؤدي الاستثمار في البحث والتطوير في هذه المجالات إلى تحويل هذه المنطقة إلى مركز عالمي للابتكار في مجال الطاقة المتجددة.

3. وضع السياسات.. يتعين على الحكومات أن تأخذ زمام المبادرة من خلال:

  • تقديم حوافز ضريبية وإعانات لمصلحة مشاريع الطاقة المتجددة.
  • تطوير البنية التحتية لنقل وتوزيع الطاقة المتجددة.
  • استحداث قواعد وأنظمة صارمة بشأن الانبعاثات الكربونية، وتوجيه الصناعات نحو حلول طاقة أنظف.
  • تقديم حملات تثقيفية لتوعية الجمهور حول الفوائد البيئية والاقتصادية للطاقة المتجددة.

4. اقتصاد بديل للمستقبل

يعد اتباع نهج مبتكر وشامل للاقتصاد الذي لا يعتمد على عائدات النفط والغاز أمراً حيوياً لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومن خلال تنويع اقتصاداتها، ستتمكّن دول المنطقة من تخفيف المخاطر المرتبطة بتقلّب أسعار النفط والانخفاض المتوقع في الطلب العالمي عليه. ويجب على حكومات المنطقة أن تعيد تقييم سياساتها وأولوياتها المُؤيّدة حالياً لخيار دعم الوقود الأحفوري غير الفعال اقتصادياً، غير العادل اجتماعياً والمضرّ بالبيئة. مثل هذا التحول يعطي الأولوية لرفاهية المواطنين، ويعد بتحسين نوعية الهواء، تحسين الصحة العامة، وخلق العديد من الوظائف الخضراء.

5. التعاون الدولي والإقليمي

من الممكن أن يؤدي جمع الموارد والمعرفة والتكنولوجيا عن طريق الشراكات الدولية إلى تسريع عملية الانتقال الطاقوي. كما أن التعاون مع البلدان التي نجحت في التحول يمكن أن يوفّر رؤى لا تقدّر بثمن.

6. الاستثمار في رأس المال البشري

لتحقيق انتقالٍ ناجح، من الضروري الاستثمار في التعليم والتدريب، وخلق قوة عاملة ماهرة قادرة على قيادة قطاع الطاقة المتجددة واستدامته. ويتعيّن على الجامعات والمؤسسات المهنية تقديم دورات متخصّصة، مدعومة بشراكات في مجال الصناعة، لتقديم الخبرات العملية.

7. ضمان العدالة في مجال الطاقة

من الضروري أن ندرك أن الانتقال الطاقوي لا يقتصر فقط على تقليل البصمة الكربونية، بل يشمل كذلك ضمان المساواة في الحصول على الطاقة. وينبغي بذل الجهود لضمان أن تكون الطاقة المتجددة متاحة للجميع بتكلفة ميسورة، وخصوصاً في الدول النامية داخل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

في الخلاصة، رغم أن الطريق أمامنا قد يبدو شاقاً للغاية، وخاصة أن لمنطقتنا تاريخاً طويلاً في استخدام النفط والغاز، إلا أن الرحلة تستحق العناء. فهي لا تعدُ بمستقبل أكثر خضرة فحسب، بل تؤسّس لمستقبل أكثر مرونة واستدامة اقتصادياً. تاريخياً، لطالما كانت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تكتسب أهمية استراتيجية على نطاقٍ عالمي، وبما أننا نقف اليوم عند حافة ثورة طاقة عالمية، فقد حان الوقت لأن تكون منطقتنا رائدة مرة أخرى في هذا المجال.

لتقديم الطلب