أجراس الإنذار تَقرع وصوتها يدوّي يومًا بعد يوم. فقد أصدرت كلّ من الأمم المتحدة والحكومات والمنظمات الإنسانية والبيئية، فضلًا عن العلماء والصحافيين، تحذيرات شديدة اللهجة تُنبِئ بوقوع كارثة. إنّ المخاطر على حياة الإنسان والبيئة واضحة وضوح الشمس – إذ إنّ أي تسرُّب كبير أو انفجار على متن خزّان صافر العائم قد يحمِل تداعيات مدمِّرة على الناس والحياة البرية ومفارخ الأسماك والنظم البيئية في البحر الأحمر.

خزّان صافر هو ناقلة نفط عملاقة وقديمة تعود إلى أيام تخزين النفط في ناقلات النفط الخام الفائقة الضخامة، ويبلغ طوله 360 مترًا وعرضه 70 مترًا، ويرسو في البحر الأحمر على بعد حوالى 8 كلم من ميناء رأس عيسى في اليمن. وتقدَّر حمولته بنحو 1.1 مليون برميل (أي ما يزيد عن 140,000 طن) من النفط الخام.

عُرِفت الناقلة الأحادية البدن، التي بُنيَت في العام 1976، سابقًا باسم “إيسو اليابان”، ثم جرى بيعها إلى الحكومة اليمنية في العام 1988. أجرى المكتب الأميركي للشحن آخر مسح لها في العام 2014، ولكنّها لم تخضع للمُعاينة منذ ذلك الحين بسبب الحرب. كما أنها لم تعد اليوم “تستوفي المواصفات”، ما يعني أنها لم تعد مؤمّنة. بعد سبع سنوات من الإهمال، بات الصدأ يغزو بدنها، ومولّداتها متوقّفة عن العمل، ومعدّات مكافحة الحريق فيها مُعطّلة.

أصدرت منظمة “غرينبيس” مؤخرًا ورقة إحاطة تُسلّط فيها الضوء على التداعيات الإنسانية والبيئية المحتملة لأي تسرُّب أو انفجار نفطي كبير على متن خزّان صافر العائم. ونرحّب في هذا السياق بالإعلان الأخير عن التوصُّل إلى اتّفاق “مبدئي” بشأن نقل النفط الموجود في خزّان صافر إلى ناقلة أخرى. ولكن إلى حين القيام بذلك، لا يزال الخزّان في وضعٍ خطِر، كما أنّ عدم التأهّب لاحتمال حصول تسرّبٍ كبير مسألة تدعو إلى القلق الشديد.

لقد طالبنا بنشر حاجز عائم لاحتواء النفط حول خزّان صافر كخطّ دفاع أوّل وبتوفير معدّات أخرى خاصة بالاستجابة للتسرُّب النفطي في المنطقة استعدادًا لأي حدث طارئ.

لكن الناس بحاجة إلى الحماية أيضًا!

يُعدُّ النفط سائلًا سامًا وقابلًا للاشتعال ويحتوي على مواد كيميائية مُسبِّبة للسرطان. كذلك، يمكن أن يمتصّ الجلد النفط، ويتحمَل أن تؤّدي الأبخرة والدخان إلى تلَف الرئتين، كما تسبّب المواد الكيميائية ضرر في الكبد والكلى والجهاز العصبي ونظام الدورة الدموية. ويُمكن توقّع حدوث هذه التأثيرات الصحية استنادًا إلى مستوى التعرّض للنفط ومدّته. ويمكن أن يسبِّب استنشاق الأبخرة أو الرذاذ النفطي الصداع والدوار والنعاس والغثيان وقد يؤدّي إلى فقدان الوعي.

عندما يحصل تسرُّب نفطي، تتمثل الاستجابة الطبيعية للمجتمعات في بذل كلّ ما في وسعها لمحاولة معالجة الأزمة. غير أنّ انجراف النفط إلى الشاطئ يُشكّل خطرًا على البيئة وعلى أي شخص يحاول تقديم المساعدة. إنّ التخلّص من النفط عمليّة في غاية الصعوبة ومحبطة ومرهقة، كما تتطلّب من الأفراد استخدام المعدّات الواقية وتوفير مكانٍ آمن يستوعب الكميّات الهائلة من المخلّفات النفطية.

فضلًا عن ذلك، سيتعرّض أي شخص يشارك في عملية إزالة النفط، سواء كان من المتطوّعين أو المحترفين، للنفط والدخان السامّ. وتُعتبَر القفازات والملابس الواقية والأقنعة المناسبة معدات ضرورية للحدّ من استنشاق النفط الذي تغيّرت خصائصه والنفط الذي لم تتغيّر خصائصه بفعل العوامل الجوية وملامسته للجلد، بما في ذلك النفط المترسّب على الشواطئ مثل “كرات القطران”. ويجب تجهيز وإتاحة التسهيلات المناسبة لتنظيف الأيدي وغسلِها بغية التعامل مع حوادث تعرّض الجلد العرضيّة، بما في ذلك منظّفات الأيدي المناسبة.

مع الأسف، من غير المرجّح إطلاقًا أن تتوفّر المعدّات المطلوبة على نطاق واسع، ما يؤدّي إلى احتمال تعرُّض السكان المحليّين للنفط بشكل خطير. بالتالي، إلى جانب معدّات الاستجابة للتسرّب النفطي، من الضروري أيضًا توفير مخزون من معدات الحماية الشخصية في مواقع استراتيجية على طول الساحل.

في حال عدم توفّر معدات الحماية (مثل الملابس الواقية والقفازات والأحذية وأقنعة الوجه)، يُنصح بعدم التوجّه إلى الشاطئ الملوَّث أو الاقتراب منه. وفي حال نشوب حريق، يجب على كبار السن والأطفال والأشخاص الذين يعانون من مشاكل في القلب أو الرئة الابتعاد عن الدخان أو الضباب.

من المرجّح أن يلحق الضرر الأكبر بمجتمعات صيّادي الأسماك الصغيرة على الساحل، ومن المرجح أن يصبح الصيد مستحيلًا، كما سيتعرّض الصيادون لأبخرة النفط. كذلك، سيتسبَّب النفط بتلوّث القوارب، ما قد يؤدّي إلى احتمال أكبر للتعرّض للمواد السامة. ولا مفرّ من تلوّث مفارخ الأسماك على المدى الطويل، مع العلم أنه ما من إمكانية لتوقّع مدى التلوّث وحجمه.

تؤدي عمليات إزالة النفط عن الشواطئ إلى إنتاج كميات هائلة من المخلّفات النفطية الخطرة – وغالبًا ما تبلغ هذه الكمية حوالى عشرة أضعاف كمية النفط المتسرّب. لذا، في حال تسرّب كلّ النفط من خزّان صافر، من المحتمل أن يُخلّف ذلك 10 أضعاف حمولته البالغة 140,000 طن – أي ما يوازي مليون ونصف طن من النفايات النفطية السامة.

لا تصلح منشآت النفايات المنزلية للتخلص من هذه المخلّفات، كما أنها ستبلغ قدرتها الاستيعابية القصوى بسرعة نتيجة الكميات الهائلة. وبالرغم من فظاعة المشكلة، من المهمّ عدم مفاقمتها عن طريق محاولة حرق النفايات من دون إجراء تقييم شامل للوضع، بما أنّ ذلك قد يولّد دخانًا سامًا من شأنه أن ينشر التلوّث على نطاق أوسع وقد يُصعِّب عملية إزالة الرواسب.

تستند الاقتراحات التالية إلى الممارسات الفضلى المتعلّقة باستراتيجيات الاستجابة للتسرّب النفطي. يُعتبر التنسيق مع السلطات المحلية والمتخصّصين في الاستجابة للتسرّب النفطي أمرًا أساسيًا.

ما يجب فعله

  • الإبلاغ فورًا عن مواقع وصول النفط إلى الشاطئ، إضافةً إلى طول الخط الساحلي المتضرّر.
  • التأكّد من بقاء الأطفال والأشخاص المعرّضين للخطر والمواشي وأي حيوانات أليفة بعيدًا عن المناطق الملوّثة.
  • في حال تلوّث الهواء، يجب البقاء في الداخل وإغلاق النوافذ والأبواب، فضلًا عن غسل الفاكهة والخضروات قبل تناولها، واستخدام مكيّفات الهواء في حال توفّرت إذ إنها تمنع دخول الجزيئات إلى المنزل.
  • التنسيق مع المتخصّصين في الاستجابة للتسرّب النفطي والسلطات المحلية الأخرى.
  • استخدام معدّات الحماية الشخصية، بما في ذلك الأحذية المطاطية والقفازات والألبسة الواقية وأقنعة الوجه.
  • استخدام مواقع مُجهّزة وآمنة لنقل المخلّفات النفطية، بما في ذلك الملابس والقفازات والأقنعة الملوّثة التي يتعذّر تنظيفها.
  • الاستفادة من مرافق الغسيل المتاحة باستخدام المنظّفات المنزلية العادية.
  • عدم تناول الأسماك من المناطق الملوّثة بالنفط واتّباع الإرشادات الرسمية (مع العلم أنها قد لا تكون متوفرة). ويجب الامتناع عن صيد الأسماك في المناطق الملوّثة.

ما يجب الامتناع عنه

  • عدم محاولة إزالة النفايات النفطية من دون استخدام المعدّات الواقية
  • عدم محاولة حرق النفط
  • عدم الركض على سطح المناطق المغطاة بالنفط
  • عدم الاقتراب من أي حرائق نفطية
  • عدم استخدام معدات الحماية الشخصية لأغراض أخرى، بل فقط لمساعي التنظيف مع السلطات
  • عدم الانخراط في جهود غير رسمية لإزالة النفط – من المهمّ أن يتوفّر التخطيط والإرشاد والإشراف السليم
  • عدم السير حافي القدمين على الشاطئ

إنّ بدن خزّان صافر الصدِئ وحمولته السامة يذكراننا بالتهديدات التي يُشكّلها النفط والشركات التي تحقّق أرباحًا بقيمة مليارات الدولارات على حساب الناس والبيئة. فالنفط يدمّر سبل العيش والبيئات، بدءًا من مراحل استخراجه ووصولًا إلى استخداماته النهائي، وذلك إما بسبب حوادث التسرّب أو بسبب التغيّر المناخي الناجم عن استخدام النفط والأنواع الأخرى من الوقود الأحفوري. المطلوب هو إنهاء عصر النفط، ليس لحماية البحر الأحمر فحسب، بل الكوكب بأسره.



المصادر: 

https://www.itopf.org/fileadmin/uploads/itopf/data/Documents/TIPS_TAPS_new/TIP_7_2011_AR.pdf

https://www.oilspillresponse.com/technical-library/exercises-seminar-arabic/


خزّان صافر العائم: قنبلة موقوتة

تزداد يومًا بعد يوم صعوبة إزالة النفط بشكل آمن بسبب الأعطال في المعدّات. حاليًا، قد تُثقَب الناقلة – لا بل قد تنفجر – في أي لحظة، ما سيتسبّب بتسرّب النفط الذي تحمله في عرض البحر – ولهذا السبب وُصف خزّان صافر العائم بـ”القنبلة الموقوتة”.

انضم إلينا