لا يُمكن للعالم أن يُصبح أفضلاً من تلقاء نفسه، لكّنه يتحسّن عندما يعمل الأفراد معاً لتحقيق ذلك. لذا مما لا شك به أنّ كل ما استطعنا تحقيقه هذا العام يعود للجهود الشجاعة التي بُذلت لإلهام الأشخاص الذين يجرؤون أن يحلموا بإمكانية تحقيق عالمٍ أفضل، وإقتناعهم الكلّي بأنّها حقيقة في متناول أيدينا.

لقد ساهم التضامن الذي حصل والجهود المشتركة في جعل المستحيل ممكناً. وعلى الرغم من أنّ هذا العام كان صعباً ومليئاً بالتحديات على أكثر من صعيد، إلا أنّه كان بالفعل عاماً إستثنائياً لنا جميعاً في منظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فكان عام الأمل وتعلّم الدروس.

كل ما جرى خلال هذا العام عزز إيماني وأكّد لي مرّة جديدة بأنّه من الممكن بالفعل تحقيق العدالة المناخية. فمهما كانت طبيعة التحرّك الذي نقوم به، فإنّ تعاوننا المشترك هو الذي يجعلنا ننجح في خلق مستقبل أكثر عدلاً وإنصافاً وأكثر خضرة وسلاماً، وهو المستقبل الذي نحتاجه جميعاً. 

في هذا العام أيضاً تغلّبت قوّة وإرادة الشعوب على سنوات العرقلة من قبل كبار الملوّثين، للحصول على إعترافٍ بمسؤولية الدول الغنية عن تغير المناخ والخسائر والأضرار التي لحقت بالمجتمعات الضعيفة كنتيجة حتمية للكوارث المناخية.  كما أثبتنا بأننا قادرين بالفعل على إحداث تغيير حقيقي والتأثير الفعلي إن عملنا معاً بالتضامن، ما بين الفاعلين في المجتمع المدني ومجتمعات الخطوط الأمامية لأزمة المناخ والدول النامية الأكثر تأثراً بها.

لذا يُمكن القول أنّ هذا العام شكّل لنا فرصة ذهبية لتعلّم الكثير من الدروس المهمة. فلم نخاف أبداً من المجازفة أو أن نرفع سقف طموحاتنا.

قبيل انعقاد مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ COP27، كان مخيّم العدالة المناخية عبارة عن لوحة حيّة للتضامن. وقد خلق هذا الحدث الذي جمع أكثر من 400 شاب من مجتمعات الخطوط الأمامية مساحة للجهات الفاعلة والمنظمة الشابة في المجال المناخي من جميع أنحاء دول الجنوب العالمي للمشاركة في وضع استراتيجيات والمطالبة باستجابة عادلة ومنصفة لأزمة المناخ. وهدف أيضاً لجعل أصوات هؤلاء مسموعة وإلى تعزيز وتقوية التضامن بين أكثر من 65 دولة في جنوب الكرة الأرضية.

بالإضافة إلى ذلك، دقّ تقرير “مختبرات غرينبيس للبحوث” ناقوس الخطر بشأن ارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه وانعدام الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فسلّط الضوء على الآثار الواضحة على المجتمعات والمنظومات الحيويّة حول المنطقة، وشدد على ضرورة العمل العاجل لمواجهة الاحترار، وشح المياه والخطر على الأمن الغذائي في المنطقة. كما أطلقنا إلى جانب هذا التقرير، مجموعة من الوثائقيّات القصيرة من إنتاج غرينبيس التي توضّح الآثار الجسيمة لتغير المناخ على المجتمعات والموائل الطبيعيّة البحريّة والبرية في ستة بلدان من المنطقة وتأثير تغير المناخ على مجتمعات الخطوط الأمامية. 

من هنا، ساهم كل من التقرير ومجموعة الوثائقيات في تعزيز موقفنا وساهم في رفع قضية العدالة المناخية عالياً أمام قادة العالم في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في دورته السابعة والعشرين.

لم تتوقف تحركاتنا ومبادراتنا هنا، فوصل أيضاً ممثلو المناخ الشباب من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على متن سفينة غرينبيس الأيقونية إلى الإسكندرية – مصر لرفع قضية “العدالة المناخية” عالياً على رأس جدول أعمال مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ. وجاب هؤلاء الشباب شواطئ مصر وزاروا المجتمعات والقادة البيئيّين في الفترة التي تسبق انعقاد مؤتمر المناخ.

أثبت مؤتمر تغير المناخ  أصبحت القضايا البيئية أكثر جدية وإلحاحًا من أي وقت مضى. ونجحت الجهود على مدى الثلاثين عاماً الماضية في وضع العدالة المناخية أخيراً على جدول أعمال مؤتمر الأطراف. وحصل اتفاق في اللحظة الأخيرة من المؤتمر على إنشاء صندوق خاص لتمويل الخسائر والأضرار، وهو الأمر الذي شكّل خطوة تاريخية في الطريق إلى تحقيق العدالة المناخيّة. فوضعت الحكومات حجر الزاوية لصندوق جديد طال انتظاره لتقديم الدعم الحيوي للدول والمجتمعات الأكثر تأثراً والتي تعاني بالفعل جراء الآثار المدمرة والمتسارعة لأزمة المناخ.

وفي وقت نشهد كلّنا زيادة في وتيرة وحدّة الحوادث والكوارث المناخية المتطرفة وعدم المساواة، يُمكن القول أنّ المقاييس بدأت تميل بالفعل لصالح دول الجنوب العالمي. ونحن نتأمل بأن نتمكن خلال العام المقبل في  وضع اللمسات الأخيرة والتعمّق أكثر في كيفية قيام الدول الغنية وكبار الملوثين بتعويض البلدان الفقيرة التي تدفع حالياً فاتورة الانبعاثات التاريخية.

لكن لم يكن هذا الانتصار سهلاً على الإطلاق. فكانت مفاوضات مؤتمر تغير المناخ صعبة ومليئة بالتحديات، ويبدو أنّها تأثّرت بالعدد القياسي للوفود الممثلة لصناعة الوقود الأحفوري المُدمّرة التي حضرت. لكننا نجحنا في النهاية في أن نشهد فجرًا جديدًا للعدالة المناخية.

وبعد أن استمعت رئاسة المؤتمر أخيرا إلى نداءات الدول الأكثر تأثرا من آثار أزمة المناخ ومطالبها، ولكن وفي الوقت نفسه وللأسف، تمّ تجاهل المطالب الداعية للتخلي عن الوقود الأحفوري. لكن أثبت لنا ما حصل أنّ قوّة وأصوات الشعوب التي ساهمت في الدفع نحو الموافقة على إقرار صندوق الخسائر والأضرار، هي نفسها التي يمكنها أن تكشف المعرقلين والدفع نحو سياسات أكثر جرأة لإنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري. إلى جانب تعزيز دعم مصادر الطاقة المتجددة والانتقال العادل للطاقة. بالتالي يمكن القول أنّ مؤتمر تغير المناخ في دورته السابعة والعشرين أظهر لنا أنّ كوكبنا يستحق صوتاً يدافع عنه، وبات من الممكن للجميع أن يسمعنا عبر رفع صوتنا.

نحن ندرك الصعوبة الحقيقية أمام الاقتصادات التي تعتمد إلى حد كبير على الوقود الأحفوري في التحول السريع نحو الطاقات المتجددة. لكنّ العلم واضح في هذا المجال، فإذا أردنا الحد من معدل الاحترار العالمي وإبقائه تحت 1.5 درجة مئويّة، من الضروري أن يتم التخلّي عن الوقود الأحفوري بكافة أشكاله بشكل تدريجي.  لذلك نتفهم جيداً أنّ الانتقال العادل للطاقة بعيداً عن الوقود الأحفوري سيكون أكثر صعوبة لهذه الاقتصادات التي تعتمد بالكامل على الوقود الأحفوري، مقارنة بالبلدان الغنية الأخرى. فهذا الأمر سيتطلّب شجاعة كبيرة ورفع سقف الطموح وقدرة إبتكار عالية للمضي قدماً بخططٍ جديدة.

لن تتوقف قصتنا هنا، وسنسعى لإكمالها مرّة أخرى في مؤتمر تغير المناخ العام المقبل (COP28) في الإمارات العربية المتحدة. فإنّه سيوفر فرصة حقيقية وكبيرة لفهم أفضل لكل ما يحصل، والاعتراف بالتالي أنّ الطريق الوحيد لتحقيق العدالة المناخيّة يتمثّل بالاستغناء عن الوقود الأحفوري بكافة أشكاله – الفحم، والنفط والغاز.

وانطلاقاً من النتائج التي توّصلنا إليها في نسخة هذا العام من مؤتمر تغير المناخ، ستعمل منظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على تقديم كل خبراتها، وستكون بمثابة منصّة لتعزيز الحلول المبتكرة من أجل تحقيق  تأثير كبير وجوهري. إلى جانب العمل على تقديم حلول محددة للمشاكل البيئية الرئيسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فما نحتاجه اليوم هو نموذج اقتصادي بديل يضع احتياجات الناس والبيئة فوق المصالح الاقتصادية ويُبدي صحة الناس ومستقبلهم على الربح. لا شك أنّ مؤتمر تغير المناخ بنسخته الثامنة والعشرين سيكون فرصة ذهبية لتعزيز الأفكار والحلول الفعّالة إذا إستطعنا التحرر من النهج القديم والمُدمّر.

أنتم جميعاً أبطال قصتنا، أي كل من يؤمن بأنّ تحقيق عالمٍ أفضل ليس مجرد حلم، بل هو حقيقة بدأت تتضح معالمها. وبينما نطوي صفحة هذا العام الرائع والمليء بالتحديات، أتمنّى لكم جميعاً عاماً جديداً مليئاً بالسعادة لكم ولعائلاتكم.

يتطلّب تحقيق عالم مستدام وعادل الكثير من الجهد والطاقة والوقت. لذا يجب أن نتأكد من أن نمنح أنفسنا في العام 2023 المساحة اللازمة لإعادة شحن طاقتنا للحفاظ على طاقتنا والزخم الموجود في داخلنا، وإبقاء أنفسنا متجذرين في العالم الذي نُكافح من أجله.

لا شك أنّ الطريق أمامنا طويل وشاق،  لكننا نتسلّح بالأمل ولدينا كامل الثقة بأنّنا نبني عالمًا أفضل وحياة أكثر أمانًا وصحة وسعادة وكرامة للجميع.


إنضم إلى الحراك!

من أفراد مهتمين بحماية كوكبنا وتحقيق السلام العالمي والوصول الى التغيير الإيجابي من خلال التحرك الفعلي! معاً لن يستطيع احد ايقافنا. غرينبيس هي منظمة مستقلة تعمل على إحداث التغيير في السلوك والتصرفات، بهدف حماية البيئة والترويج للسلام العالمي.

انضم إلينا