كل شهر نطلب من متابعينا في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن يخبرونا كيف يلتمسون آثار تغيّر المناخ. بطبيعة الحال، لا يمكن أن تُعزى كل هذه الأمثلة إلى تغيّر المناخ وحده، لكن التصوّرات والتجارب والوقائع المختلفة للناس في منطقتنا تساعدنا على اكتساب معرفة عامة لكل الأنماط المتعدّدة والمتشابهة التي يرون من خلالها تغيّر المناخ، والتي تؤثّر على حياتهم ومحيطهم.

نخطّط لنشر هذه المدوّنة شهرياً – إذا كنت ترغب في مشاركة تجربتك الخاصة، أخبرنا هنا.

لا تزال حالة الفوضى المناخية تعصف بعدد من دول العالم منذ حزيران/يونيو وتمّوز/يوليو الماضيين، بعدما استُهلّ صيف هذا العام بموجات حرّ متطرّفة وغير مسبوقة، ضربت مناطق عدة في آنٍ واحد، وحطّمت الرقم القياسي العالمي لمتوسط درجة الحرارة المسجّل في عام 2016.

في الإعلام الغربي، بدا وكأن موجات الحرّ طاولت القارة الأوروبية على نحوٍ خاص، وأن تداعياتها كانت أقسى على دولها، في حين أن مدناً عربية وأفريقية عدة، كانت تشتعل بوتيرة مُضاعفة وسجّلت درجات حرارة قياسية، أبرزها العراق المُصنّف خامس البلدان الأكثر عرضة للتدهور المناخيّ في العالم، وفق تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

في 2 آب/أغسطس الجاري، تخطّت درجة الحرارة عتبة الـ 52 مئوية في محافظة البصرة التي تقع في أقصى جنوبي العراق، لتقترب بذلك من أعلى درجة حرارة تمّ تسجيلها على الإطلاق في المحافظة نفسها (53.9 مئوية) في تموز/يوليو 2016. ويقول درغام صبّاح لغرينبيس إن “درجة الحرارة في البصرة باتت تتجاوز الخمسين مئوية بشكلٍ شبه يومي”.

وفي وقتٍ لاحق، أعلنت هيئة الأنواء الجوية في العراق أن درجات الحرارة تجاوزت حاجز الـ50 مئوية في نحو 13 محافظة، إذ سجّلت في بغداد وديالى والأنبار والناصرية والمثنى 50 درجة مئوية، فيما تخطّت حاجز الـ51 مئوية في كل من كربلاء والنجف وميسان والقادسية وواسط. والحال أن الصيف كان بمثابة كابوس على العراقيين، الذين أنُهكت أجسادهم في ظلّ غياب وسائل التكييف، تراجع إمدادات المياه، والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، خصوصاً عن ذوي الدخل المنخفض والمجتمعات المهمّشة.

الجفاف يهدّد الأهوار: تراجع حادّ في منسوب المياه

استناداً إلى شهادة محمد جليل ابراهيم الرمضان المُقيم في بغداد، فإن آثار تغيّر المناخ أصبحت ملموسة في البلاد انطلاقاً من بداية الألفية الثالثة وحتى اليوم، لافتاً إلى أن أزمة التصحّر، التي تفاقمت خلال الفترة المذكوة أيضاً، قضت على مساحات واسعة من الغطاء النباتي والأراضي الزراعية.

أما أزمة الجفاف في العراق، فيمكن التماسها أولاً في “آبار المياه الارتوازية التي نستخدمها لري المحاصيل الزراعية في جنوب البلاد والتي جفّت تماماً”، وفق شهادة سالم علي محمد الجبوري. ويضيف: “بدأنا نحفر بعمق يزيد عن 150 متراً، لكن رغم ذلك لا نصل للمياه”، مع الإشارة إلى أن المياه لا يمكن استخراجها وتأمين وصولها للسكان إلا بعد تجهيز البئر بمعدّات ضخّ المياه، ما يضاعف التكاليف التي تتحمّلها الأُسر لقاء الحصول على موارد المياه العذبة.

في مقلبٍ آخر، لا تخفي آلاء ماجد نور مخاوفها من تداعيات تجاوز درجة الحرارة عتبة الـ50 مئوية في البلاد، أي أكثر من نصف درجة الغليان، على سلامة العراقيين، خصوصاً الرّضع والأطفال والنساء الحوامل الأكثر عرضةً للإجهاد الحراري، لا سيّما وأن التغذية الكهربائية لم تعد تتجاوز ثماني ساعات يومياً.

وبرأيها، فإن المشكلة الأكبر التي قد تُفاقم من معاناتهم في السنوات المقبلة – أي عندما تصبح موجات الحر أكثر تواتراً وشدة – تكمن في انخفاض منسوب مياه نهري دجلة والفُرات، وبالتالي تراجع كميات المياه الواردة إلى الأهوار في جنوب العراق، والتي تأثرت أكثر من غيرها جراء سوء إدارة الموارد المائية المُصاحِبة لأزمة المناخ.

يشار إلى أن الأهوار عبارة عن منخفضات من الأرض تتجمع فيها مياه الأنهار، ثم تتحول إلى بحيرات واسعة ذات أعماق مختلفة. وقد أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) على قائمة التراث العالمي في العام 2016، كمحمية طبيعية دولية تمتاز بثروتها المائية وتأوي أنواعاً عدة من الطيور المهاجرة أثناء فصل الشتاء.

وفي مطلع تمّوز/يوليو الماضي، حذّرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) من أنّ منطقة الأهوار التاريخية في جنوب العراق تشهد “أشدّ موجة حرارة منذ 40 عاماً” فضلاً عن تراجع منسوب المياه، بسبب موجة جفاف تحاصر البلاد للعام الرابع على التوالي.

في المحصّلة، يقول فاعلون بيئيون عراقيون إن سكان المنطقة يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة، وأن العديد منهم “اضطروا إلى هجرتها”، استناداً إلى شهادة رعد كردي أبو جغيدة، الذي يشير إلى أن غالبية الأراضي الزراعية في الأهوار تحوّلت إلى أراضٍ شبه قاحلة، بعدما “كانت الزراعة وتربية المواشي تشكّل مصدر عيش سكانها”.  

في الإطار نفسه، تحدّثت تقارير إعلامية عدة، نقلاً عن فاعلين بيئيّين، عن نفوق أعداد كبيرة من الرفش الفراتي (ينتمي إلى أنواع السلاحف المائية) عند ضفاف الأهوار خلال موجات الحرّ الأخيرة المتعاقبة، عازين الأسباب إلى “خروج الرفوش من المياه هرباً من ملوحتها العالية”.

عواصف ترابية متكرّرة  بين دهوك وكركوك

إلى جانب انخفاض منسوب المياه الجوفية للآبار الارتوازية في مدينة دهوك، التي تقع في محافظة دهوك بالشمال الغربي للعراق، وفضلاً عن “تأثير قلّة المتساقطات على سدّي دهوك زاويتة”، يتحدّث رمضان إمنكي، في شهادته لغرينبيس، عن “زيادة ملحوظة في هبوب عواصف ترابية بشكلٍ شبه دائم، حتى في فصل الشتاء”، خصوصاً في محافظات إقليم كردستان. ولهذه العواصف التي زادت وتيرتها في السنوات الأخيرة، تداعيات كبيرة على حياة المقيمين في دهوك ومدن أخرى مجاورة، إذ إنها تعطّل الحياة لساعات طويلة بسبب انخفاض نسبة الرؤية واضطرار التجار إلى إغلاق منازلهم، كما أنها تزيد من معاناة مرضى الأمراض التنفسية، مثل الحساسية والربو.

المشهد يبدو مماثلاً في محافظة كركوك، إذ يقول عماد محمود المقيم فيها إن درجات الحرارة القياسية، التي تتخطّى نصف درجة الغليان باستمرار، لم تعد الظاهرة المتطرفة الوحيدة التي لا يمكن احتمالها في البلاد، مشيراً إلى أن “العواصف الترابية ازدادت خلال الأعوام القليلة الماضية بنحو 60% تقريباً بوتيرة لم تعهدها كركوك قبل 20 عاماً على الأقلّ، بحيت كانت تمرّ أعوام متعاقبة من دون أية عواصف ترابية”.

يشار إلى أن المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، كان قد حذّر، في وقتٍ سابق، من أن ما يواجهه العراق من ارتفاع في درجات الحرارة وجفاف هو بمثابة “إنذار” للعالم أجمع.
وقال تورك عن زيارته لمحافظة البصرة الجنوبية المنتجة للنفط: “بعد أن وقفتُ تحت الحر القائظ وسط تلك المناظر الطبيعية المشوهة، وتنفست الهواء الملوّث من جراء انتشار العديد من مشاعل إحراق الغاز المصاحب لاستخراج النفط في المنطقة، كان من الواضح بالنسبة لي أن عصر الغليان العالمي قد بدأ بالفعل”.

هل واجهت آثار تغيّر المناخ؟

لأن التغير المناخي يعدّ من أخطر التهديدات التي تواجه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكجزء من مشروعنا التوعوي لمواجهة آثاره والتكيّف معها، نريد أن نسمع منك، ومن المواطنين في جميع أنحاء المنطقة الذين يشهدون على التغيرات من حولهم، تلك التي تسبَّبَ بها الاحترار العالمي.

انضم إلينا