Excessive Heat Warning at Hoover Dam, Arizona. © David McNew / Greenpeace
باتت أجزاء كبيرة من العالم الغربي مُصنَّفة على أنها في حالة من “الجفاف الاستثنائي”، وهي الفئة التي تشير إلى أشدّ مستوى من الجفاف. فقد بلغت كمّيات المياه في الكثير من المستجمعات المائية الكبرى أدنى مستوى لها على الإطلاق، وبات مسؤولو إطفاء الحرائق يحذّرون من أنّنا دخلنا بالفعل في موسم كارثي جديد من حرائق الغابات. سدّ هوفر، حدود ولايتَيْ أريزونا/نيفادا، الولايات المتّحدة. © ديفيد ماكنيو / غرينبيس.

في الأسبوع الأوّل من حزيران/يونيو 2024، سجّلت درجات الحرارة الحارقة في 80 بلداً أرقاماً قياسيّة، متجاوزة المستويات القصوى المسجّلة للشهر نفسه أو منذ بداية الرصد. فقد اجتاحت موجات الحرّ الولايات المتّحدة ومنطقة البحر الأبيض المتوسّط وجنوب أوروبا وشمال أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط. وفي 7 حزيران/يونيو، بلغت درجة الحرارة في أسوان في مصر 50.9 درجة مئوية – وهو مستوى غير مسبوق.

إنّ درجات الحرارة المرتفعة وغير المسبوقة ليست مُزعجة فحسب، بل هي تؤدّي إلى فقدان الأرواح، تماماً كما الحرائق والفيضانات.

تزداد ظواهر الطقس هذه حدّةً، وهي تتفاقم جرّاء الأنشطة الملوِّثة لصناعة الوقود الأحفوري (مصدرُ طاقةٍ يُستخرج من المواد الأحفورية، مثل: النفط، الفحم الحجريّ والغاز الطبيعيّ). كذلك، تشتدّ آثار هذه الظواهر، التي باتت تحدُث بصورةٍ مفاجئة أكثر من أيّ وقتٍ مضى. ويُنذِر ذلك بمستقبل قاتم للأجيال المقبلة، كون ظواهر الطقس المتطرّف تساهم في تفشّي الأمراض، وتزيد من معدّل الوفيات، وتُرتِّب تكاليف مالية باهظة، وتُعطِّل الأنشطة الزراعية، وتقطع الإمدادات الغذائية، وتتسبّب بنزوح السكان، وتفاقِم انعدام المساواة.

تشكّل هذه الظواهر تحذيراً لا لُبسَ فيه؛ فهي تعطّل الحياة كما نعرفها، وتُجبِر المجتمعات المتضرّرة الشُجاعة على التعامل مع ما تخلّفه من عواقب، وذلك بأشكالٍ عدّة قد لا تكون في حسباننا.

1. في العام 2023، شهدَ العالم أكثر من 120 ظاهرة طقس متطرّف، بكلفة بلغت 301 مليار دولار أميركي

بحسب التقارير، شكّل إعصار “دوكسوري” ظاهرة الطقس المتطرّف ذات الكلفة الأعلى لعام 2023، إذ تسبَّب بأضرار بقيمة 18.5 مليار دولار وخلّف دماراً هائلاً في تايوان والفلبين قبل أن يضرب البرّ الأساسي للصين. وفي شهر أيلول/سبتمبر 2023، تسبّبت عاصفة “دانيال” بخسائر فادحة في اليونان وليبيا، بلغت كلفتها 10 مليارات دولار، وشكّلت بحسب جامعة “ييل” العاصفة الأكثر دمويّة في أفريقيا منذ بدء الاحتفاظ بالسجلات. وبعد شهرٍ واحد، ضربَ إعصار “أوتيس” مدينة أكابولكو في المكسيك وتسبّب بأضرارٍ بكلفة 15 مليار دولار أميركي.

2. تفاقُم انعدام المساواة: المجتمعات المتضرّرة تدفع الثمن، فيما تراكِم شركات الوقود الأحفوري الأرباح

تتسبّب شركات “بريتيش بتروليوم” (BP) و”شيل” (Shell) و”إيكسون” (Exxon) و”إني” (ENI) وغيرها بتسريع ومفاقمة أزمة المناخ نتيجة الانبعاثات الناجمة الوقود الأحفوري التي تودّي إلى ظواهر الطقس المتطرّف، علماً أنّ تلك الظواهر تطال المجتمعات الفقيرة غير المجهّزة بما فيه الكفاية للتعامل مع عواقبها.

غير أنّ تلك الشركات بالكاد تساهم في جهود الحدّ من الأضرار والخسائر وتمويل مبادرات التعافي، لا بل إنّها لا تدفع قرشاً في سبيل التخفيف من تداعيات الفوضى المناخية، فيما تنشر المعلومات المضلّلة بشأن تغيُّر المناخ.

بحسب شركة “غالاغر” العملاقة للتأمين، بلغت كلفة الأضرار والخسائر غير المؤمّنة الناجمة عن المناخ 185 مليار دولار في عام 2023. وتشير التقارير إلى أنّ شركات النفط والغاز الخمس الأكبر في العالم – أي “إيكسون موبيل” و”شيفرون” و”شيل” و”توتال إينرجيز” و”بريتيش بتروليوم” – وزّعت أرباحاً قياسية على مساهميها بلغت 113.8 مليار دولار في العام نفسه. ويشكّل ذلك المبلغ الحصّة الأضخم على الإطلاق من الأرباح التي توزَّع على المساهمين في شركات النفط والغاز الكبرى، وذلك في السنة الأشدّ حرًّا منذ بداية الرصد.هذا ورفع الناشطون والمزارعون والسكان الأصليّون أكثر من 30 دعوى للمطالبة بتعويض عن الأضرار المناخية بحقّ شركات النفط الدولية لتحميلها المسؤولية عن الدور الذي لعبته في التسبُّب بفوضى المناخ. ولكنْ، نظراً إلى غياب الموارد اللازمة لإعادة الإعمار، ينتشر الفقر وانعدام المساواة، من دون أن تتمكّن المجتمعات من التعافي منهما.

Aftermath of Severe Rainfall in São Sebastião, Brazil. © Diego Baravelli / Greenpeace
ناشطون من “غرينبيس” يساعدون في إيصال التبرّعات وإزالة الردم والأنقاض وتنظيف المنازل والشوارع بين الأمطار الشديدة التي ضربت الشاطئ الشمالي لولاية ساو باولو. فسكّان منطقة فيلا ساهي في ساو سيباستياو، وهي المنطقة الأكثر تضرّراً، خسروا منازلهم وأرواحهم ليس نتيجة طمع الأغنياء فحسب، بل أيضاً
بسب غياب السياسات العامة لتجنُّب الكوارث والتأقلُم معها من أجل ضمان مُدُنٍ أكثر أماناً. © دييغو بارافيلي / غرينبيس.

3. ظواهر الطقس المتطرّف عاملٌ أساسيّ في تفشي الأمراض المُعدية وسوء التغذية

تحدّ ظواهر الطقس المتطرّف من القدرة على الوصول إلى مياه الشفّة النظيفة والغذاء الآمن، مما يفاقِم مشاكل نقص التغذية، والملاريا، والإسهال. وبحسب منظمة الصحّة العالمية، من المتوقّع بين العامَيْن 2030 و2050 أن يتسبّب تغيُّر المناخ بوقوع 250,000 حالة وفاة إضافية سنوياً في المناطق التي تعاني من ضعف البنية التحتية للصحّة – وخصوصاً في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسّط.

4. ظواهر الطقس المتطرّف من أبرز المخاطر التي تهدّد إمدادات الغذاء في العام 2024

تؤثّر الفيضانات وموجات الجفاف والحرّ بشدّة في الزراعة، ما يؤدّي إلى نقص في الغذاء وارتفاع في الأسعار. فقد أشارت شركة الإحصاء “Everstream Analytics” في تقريرها السنوي إلى أنّ ظواهر الطقس المتطرّف هي الخطر الأبرز الذي يهدّد سلاسل الإمداد في العام 2024، كما حدّدت نسبة الخطر المرتبط بتعطيل سلاسل الإمداد نتيجة ظواهر الطقس المتطرّف بـ100%. ويأتي هذا التحذير بعد سنة شهدت عددأً من حالات تعطيل سلاسل الإمداد الناجمة عن ظواهر الطقس، بما في ذلك فشل المحاصيل والأضرار التي خلّفتها العواصف وتأخُّر الشحنات.

Documentation on Drought in the Philippines. © Alex Baluyut / Greenpeace
المُزارِع أونالدو كاليكا يُظهِر الدمار الذي طال حقل الذرة الخاص به نتيجة الجفاف الشديد الذي ضرب الفلبين. وقد كشفت محطّة رصد المياه المتنقّلة التابعة لمنظمة غرينبيس أنّ حقول الأرزّ في شمال ووسط جزيرة لوزون خالية تماماً من المياه بسبب موجة الجفاف الناجمة عن ظاهرة التردُّد الجنوبي “إل نينيو” الشديدة، وأنّ حقولاً أخرى كالذي يظهر في الصورة تنمو فيها نباتات غير قادرة على إنتاج الحبوب. © أليكس بالويوت / غرينبيس.

5. أكثر من 20 مليون نازح سنوياً نتيجة ظواهر الطقس المتطرّف

يؤدّي تغيُّر المناخ إلى زيادة في عدد النازحين، الذين يواجه كثيرون منهم صعوبات في العثور على أماكن جديد للإقامة وكسب المعيشة. ونظراً إلى التوقّعات التي تشير إلى ارتفاع الحرارة بمقدار 1.7 درجة مئوية عالمياً بحلول العام 2050، قد ينزح 17 إلى 40 مليون شخص داخلياً في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وترتفع تلك التقديرات إلى 56-86 مليون شخص في حال ارتفاع الحرارة بمقدار 2.5 درجة مئوية بحسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ. ووفقاً لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، بين العامَيْن 2008 و2016، نزحَ 21.5 مليون شخص قسرياً كمعدّل سنوي بسبب الفيضانات والعواصف وحرائق الغابات ودرجات الحرارة القصوى. ويتوقّع معهد الاقتصاد والسلام ارتفاع أعداد النازحين بسبب التهديدات المناخية إلى 1.2 مليار شخص بحلول العام 2050.

A street in Bangladesh with temporary shelters built along the side housing people impacted by the flood.
سكان متضرّرون من الفيضان يحتمون في أكواخ مؤقتة بنوها على جانب الطريق. 22 تموز/يوليو 2022 في مدينة سلهت في بنغلاديش. © ح. م. شهيد الإسلام / مجموعة Eyepix/Future Publishing بواسطة صور غيتي.

6. ظواهر الطقس المتطرّف تسرّع معدّل الانقراض

إنّ النُظُم الإيكولوجية، وخصوصاً في مراكز التنوُّع الحيوي في المحيطات والمناطق الساحلية وغيرها من الموائل القيّمة، مُعرَّضة بشدّة لخطر الكوارث المناخية. فقد حوّلت أنشطة إزالة الغابات، وتجفيف وحرق مستنقعات الخُث والغابات الاستوائية، وذوبان التربة الصقيعية في القطب الشمالي، مناطق معيّنة من مصارف للكربون إلى مصادر للكربون. بالإضافة إلى ذلك، تزداد حدّة الأضرار الناجمة عن الآفات الحشريّة في الغابات. وبحسب الصندوق العالمي للطبيعة، يتسارع معدّل انقراض الأنواع المهدّدة بشدّة، ليبلغ 1,000 إلى 10,000 ضعف المعدّل الطبيعي.

Divers with Sign Underwater on the Great Barrier Reef in Australia. © Greenpeace / Grumpy Turtle / Harriet Spark
 طوني فونتيس وبيفرلي فونتيس، وهما غطاسان ومشغِّلا رحلات غوص في جُزُر ويت صنداي، يحملان لافتات لتسليط الضوء على أثر تغيُّر المناخ على الحيد المرجاني العظيم وضرورة اتّخاذ الحكومة لتدابير من أجل خفض الانبعاثات. © غرينبيس/ Grumpy Turtle / هارييت سبارك.

ما الذي يمكنكم فعله؟

كوكبنا بحاجة ماسّة إلى الحماية، وأنتم قادرون عن إحداث فارق. انضمّوا إلينا للدفاع عن الطبيعة وبناء مستقبل مستدام. فمن خلال المشاركة في حملاتنا ونشر محتوانا، يمكنكم المساهمة في إحداث تغيير مُجدٍ. سواء كُنتُم شغوفين بمكافحة النفايات البلاستيكية أو بحماية الغابات أو بتعزيز الطاقة النظيفة، يمكنكم دعم جهودنا بطُرُق عدّة.

الملوّثون يجب أن يدفعوا: أرواحنا قبل أرباحهم!

كوكبنا بحاجة ماسّة إلى الحماية، وأنتم قادرون عن إحداث فارق. انضمّوا إلينا للدفاع عن الطبيعة وبناء مستقبل مستدام.

أضف/ي اسمك

*ثانديل شينيافانهو ناشطة عالمية في حملة “أوقفوا الحفر وابدؤوا التمويل” التابعة لمنظمة “غرينبيس” الدولية، وهي تعمل من جوهانسبرغ في جنوب أفريقيا.