مئة وستون ألف مشرّد، لم ينالوا إلا تعويضات محدودة، وسط ترجيح ألّا يعود عشرات الآلاف إلى ديارهم أبداً. هذه ليست حصيلة حربٍ، بل كلفة حادث فوكوشيما النوويّ في اليابان. الكلفة الماليّة وحدها للكارثة قد تتجاوز نصف ترليون دولار. لكن هل يستحقّ إبقاء المصابيح متلألئة بالأنوار لمستقبل قائم على حطام حياة الآلاف على أراضٍ ينخرها التلوّث؟

NUCLEAR- FINAL
هذا ما تراه صناعة الطاقة النوّوية، لا سيّما وسط الإدراك المتزايد حول العالم لمخاطر الوقود الأحفوري على المناخ. لذلك تُحاول استغلال تغيّر المناخ ذريعة لإنقاذ أعمالها المتدهورة ومحاولة توسيعها.
من المعلوم أن أغلبيّة المُفاعلات العاملة في أوروبا والولايات المتحدة وروسيا واليابان تقترب من أجلها. وفيما لا تتوافر تقييمات دقيقة لتكاليف أنهاء خدمتها، قد تصل قيمتها الاجمالية إلى 200 مليار دولار أميركي في السنوات الـ25 المقبلة. فحتّى الوكالة الدوليّة للطاقة الذرّية التي تروّج للطاقة النووية، تؤكّد وجود نقاط غموض كثيرة حول قيمة الكلفة النهائية.
كما أنه من المعهود بمحطّات الطاقة النوويّة الجديدة في أثناء بنائها أن تتجاوز الميزانيّة وتتخلّف عن الجدول الزمني المحدّدين، ما يفرض على المستهلكين فواتير طاقة أعلى.
هذا ناهيك عن الكلفة البيئية. فقد شهد العالم بناء 430 مفاعلاً نووياً تجارياً منذ بدء العصر النووي، وما زلنا نجهل كيف نتعامل مع نفاياتها. حاليّاً يُسجّل وجود 350 ألف طن من قضبان الوقود النووي المستنفد، وهي شديدة التفاعُل وتملك عمراً نصفيّاً طويلاً جدّاً، أي أنها ستبقى خطيرة لآلاف السنين. بالرغم من ذلك، لم يَبنِ أي بلدٍ حتى الآن منشأة نهائيّة لتخزينها بشكل آمن.
لا يَمكن تصوّر أمر أكثر تهوّراً من ذلك.
في الواقع، إن الصناعة النوويّة في مأزق. فهي تشهد منذ عقدين تدهوراً حول العالم، وباتت اليوم تنتج أقلّ من 11% من الكهرباء، ومن 4,4% من الطاقة الأوّلية. وهذا أدنى مستوياتها منذ 1984.
أعلنت فرنسا، البلد الأوروبي الأكثر اعتماداً على الطاقة النووية، التزام تقليص ارتهانها لهذه الصناعة من 75% إلى 50% مع حلول العام 2025. كما تعهدت ألمانيا إلغاء استخدامها للطاقة النووية بالكامل مع العام 2022، فيما ما زالت الصناعة النووية في اليابان تتخبّط في أزمتها بعد الكارثة الفظيعة في محطة فوكوشيما داييشي في 2011 التي أدت إلى بقاء مفاعل عامل وحيد بعد إغلاق 42.
يجب منع الصناعة النوويّة من ركوب موجة تغيّر المناخ لإنعاش حجم أعمالها المتراجع. فالتكنولوجيا النوويّة ليست الحلّ لوقف استخدام الوقود الأحفوري.
علينا التيّقظ أمام محاولات خداعنا كي نقبل بخطر بيئيّ بحجّة أنّه سيجنّبنا خطراً آخر، لا سيّما مع إمكان بناء مستقبل حرّ من شرّ تغيّر المناخ والتكنولوجيا النوويّة معاً، من خلال تسريع نشر وتطوير تكنولوجيات الطاقة المتجدّدة وكفاءة الطاقة.