بعد أكثر من ثماني سنوات من الجهود الدؤوبة والعقبات الكثيرة، أُحرِز تقدُّم كبير في العملية المحفوفة بالمخاطر بقيادة الأمم المتّحدة لإزالة أكثر من مليون برميل من النفط من خزان صافر العائم المتهالِك قبالة شواطئ اليمن تمهيدًا لرفع الخزّان من البحر، ما يفسح المجال أمام المعالجة الآمنة لهذه الأزمة. يؤشر هذا الإنجاز الكبير إلى بداية نهاية هذه الأزمة المستمرّة منذ عقدٍ من الزمن تقريبًا، كما يسلّط الضوء على فعاليّة العمل المشترك ويكشف اللامبالاة الخطيرة لشركات النفط وعدم اكتراثها بتداعيات أفعالها.

تفادي الأزمة

أُفرِغ خزّان صافر العائم من حمولته الخطيرة ولم يعُد يشكّل تهديدًا لبيئة البحر الأحمر. ويُظهِر نجاح هذه العملية فعالية التعاون الدولي والتصميم والالتزام الراسخَيْن لمنظمات مثل “غرينبيس” و”حلم أخضر” وغيرهما من الحلفاء الذين لعبوا دورًا أساسيًا في جهود التوعية العالمية حول المخاطر الوشيكة التي تطرحها حمولة هذا الخزّان المُتهالِك.

بعد سنوات من جهود المناصرة الدؤوبة والتعاون الحثيث، انطلقت عملية إفراغ الخزّان وأُنجِزَت بنجاح. ولم تُظهِر هذه العملية القدرات اللافتة على تفادي تلك الكارثة الوشيكة فحسب، بل ذكّرتنا أيضًا بأنّ المجتمعات المحلّية والحكومات هي التي تضطرّ غالبًا إلى التعامُل مع تداعيات الفوضى التي تخلّفها شركات النفط.

 إنّ التداعيات المُحتمَلة لأيّ تسرُّب نفطي في البحر الأحمر بالغة الخطورة. فقد يؤدّي ذلك إلى إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه بالمجتمعات الساحليّة، والمنظومات البيئية الهشّة، والحياة البحريّة، ما سيفاقِم الأزمة الإنسانيّة المستمرّة وآثار الأزمة المناخيّة في المنطقة.

تحميل الجهات الملوِّثة المسؤولية

إذ نحتفل بهذا الإنجاز الكبير، لا بدّ لنا من الإقرار بواقع أليم، وهو أنّ شركات النفط التي تسبّبت بهذه الأزمة الخطيرة لم تُبدِ أيّ استعداد لتحمُّل مسؤولياتها في هذا الإطار. لا بلّ تخلّت هذه الشركات، التي تُعدّ من أبرز الجهات الملوِّثة، عن واجبها بمعالجة المخاطر والتداعيات المحتملة الناجمة عن بقاء خزّان صافر العائم في البحر، وذلك بالرغم من تحقيقها أرباحًا قياسيّة.

لم تتّخذ شركات النفط الكبرى المستفيدة من عمليات خزّان صافر، بما فيها TotalEnergies وExxon وOMV وOccidental، أيّ تدابير فعليّة لتفادي الكارثة التي قد تنجم عن أيّ تسرُّب نفطي في البحر الأحمر. ففي حين ينبغي أن تتحمّل هذه الشركات الملوِّثة عبر الوطنية كلفة العمليّة الإنقاذية التي تُقدَّر بـ140 مليون دولار أميركي، ساهمت دول أعضاء في الأمم المتّحدة والقطاع الخاص وأفراد من حول العالم بمبلغ 121 مليون دولار أميركي، ولا يزال من الضروري جمع مبلغ إضافي قدره 22 مليون دولار.

يسلّط ذلك الضوء على ضرورة تعزيز آليات المساءلة والمحاسبة في قطاع النفط والكشف عن الهوّة العميقة بين الأرباح المالية التي تحقّقها شركات النفط ومسؤولياتها الأخلاقية.

منصّة Shipbreaking: ينبغي تفكيك السفينة مندون إلحاق أضرار

بالرغم من احتفالنا بنجاح عملية إفراغ حمولة الخزّان وتفادي الأزمة المباشرة، لا يزال الطريق طويلًا قبل أن تصل هذه القضية إلى خواتيمها. فسجلّ شركات النفط الحافِل بأمثلة على الإهمال وعدم الاكتراث بالتداعيات البيئية لأنشطتها يتطلّب إحداث تغيير جذري في ممارستها. لذا، ينبغي على شركات النفط التي استفادت لفترة طويلة من هذه السفينة لتحقيق أرباح طائلة أن تتحمّل كلفة تفكيكها بطريقة مُستدامة بيئيًا وتضمن تفادي الأضرار التي قد تلحق بمجتمعات أخرى نتيجة التخلُّص منها.

نحن من جهتنا نؤيّد دعوة المنصّة غير الحكومية المعنيّة بتفكيك السُفُن NGO Shipbreaking Platform إلى إعادة تدوير خزّان صافر في موقع يمتثل للائحة الاتّحاد الأوروبي الخاص بإعادة تدوير السُفُن، مع الإشارة إلى توافر منشآت خارج الاتّحاد الأوروبي تلتزم بهذه اللائحة. ولكنْ، تكمن الخشية في احتمال توجّه الأمم المتّحدة نحو اعتماد خيارات أقلّ تكلفة لتفكيك السفينة بسبب غياب التمويل الكافي. فقد يؤدّي هذا السيناريو إلى نقل خزّان صافر إلى أحد الأحواض المخصّصة لهذا الغرض في جنوب آسيا، حيث يتمّ تفكيكه بطُرُق بدائيّة، ما سيخلّف تداعيات ضارّة على البلد المُضيف وشعبه.

وعليه، سيكون من المؤسف تفادي أزمة في البحر الأحمر ثم التسبُّب بأزمة ثانية تُلحق ضررًا بمجتمعات محلّية في مكان آخر.

خطر التسرُّب النفطي لمينتهِ تمامًا في اليمن

لا بدّ من التشديد على أنّ تخزين النفط في سفينة جديدة ليس حلًّا نهائيًا. فبالرغم من أنّ حالة ناقلة النفط “اليمن” أفضل بكثير من حالة خزّان صافر، لا يمكن التخلُّص من الأزمة بشكل نهائي إلا عبر إزالة النفط بالكامل وبصورة آمنة من المياه اليمنية.

مطلب العدالة المناخيّة

تُذكِّرنا عمليّة الإنقاذ هذه بالحاجة الملحّة إلى تحرير أنفسنا من قيود الوقود الأحفوري. فأزمة خزّان صافر العائم التي دامَت لسنوات طويلة تشدّد على ضرورة اعتراف شركات النفط بدورها في أزمة المناخ والبيئة واتّخاذها تدابير حازمة لإصلاح الضرر الذي تسبّبت به.

إنّ نجاحنا في تفادي تسرُّب نفطي كارثي في البحر الأحمر يشكّل فرصة للتأمُّل وبارقة أمل للمستقبل، كما يعيد التأكيد على مطالبنا المتمثّلة في تحقيق المساءلة والاستدامة والعدالة المناخيّة، في إطار سعينا الدؤوب إلى حماية الأرض وحفظها للأجيال المستقبلية التي سترثنا منّا.

غوى النكت هيالمديرة التنفيذية لمنظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا