رغم أنّ دول منطقتنا تُسهم بأقل من 5% من الانبعاثات الكربونية عالمياً، إلا أنها تتحمّل العبء الأكبر من تداعيات تغيّر المناخ.
التغيّر المناخي ليس مجرّد تحدٍ عابرٍ يواجه عالمنا، بل هو أزمة شاملة تمس كل جوانب الحياة، وتُلقي بظلالها على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكلٍ خاص. إنّ تأثيراته لا تقتصر على ارتفاع درجات الحرارة فقط، بل تمتدّ لتطال الزراعة والأمن الغذائي، ممّا يجعل الفئات الأكثر هشاشة الأكثر تأثراً في مواجهة هذا التحدّي الخطير.

الزراعة والغذاء في مرمى تهديدات تغيّر المناخ

تعيش النُّظم الزراعية والغذائية اليوم تحت وطأة واقعٍ مناخي قاسٍ، حيث أصبحت ظواهر الطقس المتطرّف أكثر تكراراً وشدّة. وبحسب تقرير حالة المناخ العالمي، تسبّبت تلك الظواهر في ارتفاع أعداد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحادّ عالمياً، حيث ارتفعت الأرقام من 149 مليوناً قبل جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) إلى 333 مليوناً في 2023. 

وبين عامي 2007 و2022، تكبّد القطاع الزراعي، الذي يعدّ شريان الحياة لملايين البشر، نحو 23% من إجمالي الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية. موجات الجفاف وحدها شكّلت 65% من تلك الخسائر، وتسبّبت بتراجعٍ كبير في الإنتاج الزراعي وخسائر في الثروة الحيوانية بلغت قيمتها 3.8 تريليون دولار على مدار العقود الثلاثة الماضية.

الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في قلب مخاطر انعدام الأمن الزراعي والغذائي

رغم أنّ دول منطقتنا تُسهم بأقل من 5% من الانبعاثات الكربونية عالمياً، إلا أنها تتحمّل العبء الأكبر من تداعيات تغيّر المناخ. ارتفاع درجات الحرارة بمعدّل يُضاعف المعدل العالمي وندرة المياه، التي جعلت المنطقة من بين الأكثر جفافاً على مستوى عالمي، يضع الأمن الغذائي والزراعي على المحك، في منطقة تعتمد بشكلٍ كبير على الزراعة لتأمين احتياجاتها الغذائية وسُبل عيش سكانها.

شمال إفريقيا: أزمة المياه تُهدد المحاصيل

تواجه المغرب والجزائر جفافاً غير مسبوق يهدّد الأمن الغذائي مباشرة، حيث حذّرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية من استمرار انخفاض الأمطار وندرة المياه، وقد تسبّب ذلك في تراجع الإنتاج الزراعي وإتلاف المحاصيل.

في عام 2023، انخفضت معدلات هطول الأمطار في المغرب بنسبة 28%، مما أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي بنسبة 20%. في تونس، تكبّد قطاع الحبوب خسائر فادحة، حيث انخفض الإنتاج بنسبة 80%، بينما شهدت الجزائر انخفاضاً بنسبة 12% في إنتاج الحبوب. هذا الواقع دفع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى تحذير من أزمة “تاريخية”، حيث يُتوقّع أن يكون 118 مليون إفريقي عرضة للجفاف والفيضانات بحلول 2030.

دلتا النيل: القلب الزراعي لمصر في خطر

يواجه قطاع الزراعة في مصر، الذي يشكّل 12% من الناتج المحلي الإجمالي، تهديداً مباشراً بفعل التغيّر المناخي. تعتبر دلتا النيل القلب الزراعي للبلاد، لكنها تواجه في المقابل خطر تسرّب المياه المالحة وارتفاع مستوى سطح البحر، مما يُعرّض الأراضي الخصبة لخطر التدهور ويزيد من احتمالية تراجع الإنتاج الزراعي في السنوات المقبلة. ويرتبط توغّل المياه المالحة في دلتا النيل بعددٍ من العوامل الأساسية، أهمّها ارتفاع مستوى البحر الناتج عن التغيرات المناخية، والاستخدام المفرط للمياه الجوفية. كما يساهم تلوّث المجاري المائية والتوسع العمراني في تدهور التربة وازدياد انتشار المياه المالحة. علاوة على ذلك، تساهم أساليب الريّ غير المناسبة وتغيّرات أنماط الأمطار في تفاقم هذه المشكلة. 

بالإضافة إلى ذلك، شهدت المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والمانجو وفول الصويا والزيتون تراجعاً كبيراً، مما يزيد من هشاشة الأمن الغذائي المصري.

الأردن: الإجهاد المائي يُعمّق الأزمة

يُصنَّف الأردن من بين أكثر الدول عالميًا تعرضًا للإجهاد المائي، وذلك بسبب محدودية موارده المائية وزيادة الطلب على المياه نتيجةً للنمو السكاني المتسارع، وتوسع الأنشطة الصناعية والزراعية، فضلاً عن تأثيرات التغير المناخي. هذه التحديات تهدد بشكل كبير قطاع الزراعة، الذي يُسهم بشكل غير مباشر بنسبة 25% من الناتج المحلي الإجمالي. وفقًا لتقرير “إيكونوميست إمباكت” بدعم من اليونيسف، قد تؤدي ندرة المياه إلى انخفاض القيمة الزراعية بنسبة 1.2% سنويًا بحلول 2030، ما يُكبّد الاقتصاد الأردني خسائر تصل إلى 29 مليون دولار سنويًا. فيما تشير تقديرات البنك الدولي إلى أنّ تراجع المياه وتغيّر المناخ قد يُخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.8%، ما يعادل خسائر تُقدَّر بـ2.6 مليار دولار.

إنّ الأزمة المائية تُفاقم انعدام الأمن الغذائي، حيث يعاني 56% من الأردنيين و89% من اللاجئين من انعدام الأمن الغذائي أو احتمال التعرّض له، في حين تضاعف انتشار نقص التغذية منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. 

العراق: خامس أكثر البلدان تضرراً من أزمة المناخ

يتصدّر العراق قائمة الدول الأكثر تضرراً من التغيّر المناخي عالمياً ليحتل المرتبة الخامسة، حيث يواجه أزمة عميقة متعدّدة الأبعاد بفعل ارتفاع درجات الحرارة، ندرة الأمطار والجفاف المتزايد، سوء إدارة استخدام المياه وتراجع الإمدادات من دول المنبع مما أدى إلى انهيار موارده المائية. منذ عام 2003، يواجه العراق هذه الأزمة المائية، ومع حلول عام 2019، فقد نحو 53 مليار متر مكعب من مخزونه المائي، وفقاً لبيانات وزارة الموارد المائية.

في هذا السياق، تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن 90% من أنهار العراق ملوّثة، ومن المتوقع أن تلبي المياه 15% فقط من احتياجات البلاد بحلول عام 2035. كما فقد العراق بحسب بيانات هيئة الإحصاء العراقية 61% من الأراضي الزراعية المروية خلال العقد الأخير. فيما انخفضت مساحات الأراضي الزراعية إلى النصف بسبب التصحر الذي يُفقد البلاد 10 آلاف هكتار سنوياً وفقاً لوزارتي الزراعة والبيئة العراقية. مع العلم أنّ هذه الظروف المناخية قد أجبرت واحدةً من كل عائلتين عراقيتين على تقليص مساحة زراعتها أو تقليل استهلاك المياه بحسب المجلس النرويجي للاجئين، مما زاد من حدّة أزمة الغذاء التي تهدد أمن البلاد ومستقبلها.

إذًا، التغيّر المناخي ليس مجرد أزمة بيئية عابرة، بل تحدٍ وجودي يعصف بجميع جوانب الأمن البشري، ويعمّق كل أشكال المظالِم. تراجع إنتاج الغذاء وتفاقم الفقر والجوع يشكلان جزءًا من الصورة القاتمة لأزمةٍ تتفاقم يوماً بعد يوم، ما لم تُتخذ خطوات عاجلة. إذ تشير التوقعات إلى أنّ انخفاض غلّة المحاصيل، خاصّة في المناطق الأكثر هشاشة، قد يدفع أكثر من 43 مليون شخص في أفريقيا وحدها إلى ما دون خط الفقر بحلول عام 2030.

الحلول ليست بعيدة المنال، لكنّها تتطلّب التزاماً جماعياً وإرادة سياسية حاسمة على الصعيدين المحلّي والعالمي. تبنّي تقنيات زراعية متكيّفة مع التغيّر المناخي، تحسين إدارة الموارد المائية، وتعزيز السياسات المناخية هي خطوات أساسية لا يمكن تأجيلها. هذه التدابير ليست مجرد خيارات، بل ضرورة مُلّحة لإنقاذ ملايين الأرواح وضمان مستقبل أكثر عدلاً للجميع.